للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موجب عقد الأمان]

إذاً نقول: إن موجب عقد الأمان أمور ثلاثة، وهي من أهم الأمور: أولاً: حرمة المال؛ لقول علي: أموالهم كأموالنا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليك أن تسرق أو تغصب مال المسلم، كما في الصحيحين: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا).

فكل نص جاء بحرمة مال المسلم وضعناه في حرمة مال المستأمن؛ لأن علي بن أبي طالب وهو خليفة راشد جعل استواء الحرمة بين مال الذمي وبين المسلم، وبين مال المستأمن وبين المسلم.

فإذا ذهب أحد يرتقي إلى أموال هؤلاء الكفرة، أو ليغصب أموال الكفرة ويستحلها ويقول: أموالهم حلال، فهذا كفر بالله جل في علاه وكفر برسول الله، ونأتيه بالنص القاطع الذي يعرفه بحرمة مال هذا المستأمن؛ لأنه دخل بأمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمنه، وأشار إليك بأنك إذا أمنت المسلم فقد أمنته على ماله، وأن ماله يستوي مع مال المسلم.

الثاني: حرمة عرضه في زوجه وابنته أو أي أحد معه يخصه كأمه أو أخته؛ لقول علي بن أبي طالب السابق، فقد جعل عرضه كبعرض المسلمين، وهذا موافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الأمان، فأعراضهم كأعراضنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم عليكم حرام).

والموجب الثالث: حرمة الدم، وهذه هي أم الباب، فلا يجوز بحال من الأحوال للإنسان أن يتجرأ على دم مستأمن، ولا أن يستحل دم مستأمن ولو كان أكفر أهل الأرض؛ لأنه ما دخل إلا بأمان، فقتله خفر لذمة المسلمين، بل إن هذا شيء قد حذر الإسلام منه وهو غدر وخيانة، والله جل في علاه قد بين أن من شيم المنافقين الغدر والخيانة، وأما شيم المخلصين المتقين فهي الوفاء بالعهد وعدم الخيانة، ولذلك جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً وذكر منها: وإذا عاهد غدر).

إذاً فحرمة دم المستأمن ثابتة بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تعدى على هذه الحرمة فقد تعدى حدود الله جل في علاه وإن كان يحسب أنه يحسن صنعاً، وهو في الحقيقة يسيء إلى نفسه ويسيء إلى غيره، وكم من مريد للخير لم يبلغه، وهذه مصيبة كبرى، فالشباب الآن يضيعون أنفسهم فترى شاباً يقتل نفسه وهو يحسب أنه بفعله هذا سيدخل الجنان، وهذه مصيبة كبرى، وضلال في الفكر، فلا بد أن يستقيم المرء على الطريق المستقيم حتى يصل إلى ربه سالماً بدلاً من أن تضيع دنياه وآخرته ويحسب أنه يحسن صنعاً، وكما قال ابن مسعود: وكم من مريد للخير لم يبلغه.