للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة وتطبيقات على الإرادتين: الشرعية والكونية]

قال الله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٨]، فالله تعالى لا يحب وجود الشيطان، وقدر وجوده، فهذه إرادة كونية، والكونية تكون كما هو في الضابط الثاني: أنها تقع لا محالة ولا يمكن أن تتخلف، فخلق الشيطان إرادة كونية لا شرعية.

وقال الله تعال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥]، فلو أخذنا شطر الآية الثاني: ((وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ))، لعلمنا أن الضلال ليس محبوباً لله جل في علاه، وهذا هو الضابط الأول.

الضابط الثاني: أنه يقع لا محالة، فلو أراد الله إضلال عبد فلن يهديه أحد، والدليل قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاء} [القصص:٥٦]، فوقوع الضلال للعبد إرادة كونية.

يقول الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} [سبأ:١٤]، وقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء:٤]، وقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، وقوله تعالى: {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} [الزمر:٦٩].

فالآية الأولى والثانية القضاء فيهما كونياً، أما القضاء في الآية الثالثة: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا} [الإسراء:٢٣]، فهو قضاء شرعي.

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء:١١٢] يمكن أن نقول: بأن فيها تفصيل: فإن كانت المسألة على الآخرة، فالحكم بالحق سيكون كونياً لا منازع له، قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَهِ الْوَاحِدِ الْقهَّار} [غافر:١٦]، وإن كان في الدنيا، فحكم الله بالحق سيكون شرعياً، قد يقبل به الناس وقد لا يقبلون به، لكن من الممكن: أن ينازع منازع ويقول: هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم: أن يحكم كوناً بالحق.

وقال الله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:٢٦]، فهذا يعتبر حكماً شرعياً؛ لأنه محبوب لله جل في علاه، والضابط الثاني: أنه قد يقع وقد لا يقع، أما رأيت كثيراً من الناس يتحاكمون إلى غير الله جل في علاه؟ فقد يقع وقد لا يقع.

وقال الله تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة:١٠]، فالحكم هنا شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

وقال الله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧]، فهذا كوني؛ لأنه قد يُحِب وقد لا يُحِب، وهذا الضابط الأول، أما الضابط الثاني: فهو لا بد أن يقع، فما شاءه الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:١٦]، الإرادة هنا كونية.

وقال الله تعالى: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود:٣٤]، الإرادة هنا: كونية؛ لأن إغواء العباد لا يحبه الله، بل هو يحب هداية العباد.

وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]، هنا الإرادة شرعية؛ لأن الله يحب ذلك، لكنها قد تقع وقد لا تقع.

وقال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:٢١]، الكتابة هنا: كونية، وهي محبوبة لله جل في علاه.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، الكتابة هنا: كونية، قد كتبها الله جل في علاه، وستكون لا محالة.

قال الله تعالى في سورة الحج: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:٤]، الكتابة هنا: كونية؛ لأن الإضلال لا يحبه الله، وهي تقع لا محالة؛ لأنه من اتخذ الشيطان ولياً من دون الرحمن أضله الله جل في علاه.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَقُوْنَ} [البقرة:١٨٣] الكتابة هنا شرعية.

قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:٢٣] إلى قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٤]، يعني: كتب الله عليكم، وهذا الكتاب: كتاب شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، الأمر هنا: كوني، ولا بد أن يقع.

وقال الله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٥٠]، الأمر هنا: كوني، ولا بد أن يقع.

وقال الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء:٤٧] الأمر: كوني أيضاً.

وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:٩٠] هنا الأمر: شرعي.

وقال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٢]، الإذن هنا: كوني؛ لأن الله لا يحبه.

وقال الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر:٥]، الإذن هنا شرعي.

وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:٥٩]، الجعل هنا في قوله: ((فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا))، من أفعال البشر لا من أفعال الله، فلا يسمى كونياً ولا شرعياً؛ لأننا نتكلم عن أفعال الله تعالى.

وقال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١]، الإذن هنا: إذن شرعي؛ لأنه قد يقع وقد لا يقع.

وقال الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [المائدة:١٠٣]، الجعل هنا: شرعي.

وقال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة:٩٧]، الجعل هنا: شرعي.

وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ} [يس:٨]، الجعل هنا: كوني.

وقال الله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:٣٣]، الكلمة هنا: كونية، لكن قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف:١٣٧]، الكلمة هنا: كونية؛ لأن كلمة الله إذا قالها فلا بد أن تقع، فتكون كونية.

وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، الكلمة هنا: شرعية؛ لأن المشرك سيسمع الكلام وقد يؤمن وقد لا يؤمن، فقد تقع وقد لا تقع.