[حفظ الأوامر والنواهي الشرعية من صفات أهل الجنة]
الصفة الثانية من صفات أهل الجنان بينها الله جل وعلا بقوله: (حفيظ) أي: غير مضيع، فهو يحفظ الله جل وعلا، ويحفظ رسوله، ويحفظ فرائضه، ويحفظ سنته، ويحفظ الحقوق التي عليه والتي له، قال ابن عباس رضي الله عنها: حفيظ على فرائض الله جل وعلا فلا يضيعها، فهو يؤدي الصلاة في وقتها؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع).
في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال الصلاة على وقتها).
فبادر أخي! وكن حفيظاً على فرائض الله جل وعلا، وأتبع ذلك بصيام شهر رمضان عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وأيضًا إذا بلغ مالك النصاب وحال عليه الحول فسارع إلى تزكيته؛ لأن من صفات من يكون من أهل الجنة: أنه حفيظ، فيحفظ فرائض الله جل وعلا، فيخرج الزكاة من ماله الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول، ويكون مقبلاً بذلك على ربه متهللاً مستبشراً بثواب الله جل وعلا.
وإذا جاء موسم الحج حج بيت الله الحرام إن كان مستطيعاً؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج ولم يفسق ولم يرفث رجع كيوم ولدته أمه).
وفي الصحيحين بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الحفيظ إذا حافظ على الفرائض ولم يتبعها بالنوافل فهو من أهل الإيمان، وهذه الصفة هي صفة أهل الجنان، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا محمد! أخبرني عن شرائع الإسلام؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلوات الخمس، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، ثم ذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، ثم ذكر له صوم رمضان، ثم ذكر له الحج، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: والله! لا أزيد على هذا ولا أنقص -يعني: سأكون محافظاً على هذه الفرائض فقط- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق).
وفي رواية أخرى في الصحيحين: (دخل الجنة إن صدق).
إذاً: فصفات أهل الجنان: المحافظة على الفرائض، فكيف بمن حافظ على الفرائض واتبع الفرائض بالنوافل؟ فلا شك أنه بلغ درجة المحبوبية عند ربه جل وعلا.
وهو أيضاً حفيظ على جوارحه، فهو يعلم أن جسده عارية عنده لا يملك منه شيئاً، فهو حفيظ على جوارحه، فلا يهجم بها على الحرام، فإنه يحفظ البطن وما حوى، فلا يأكل حراماً، ولا يتجرأ على الربا فيأكله مستحلاً له، ولا يأكل أموال اليتامى ظلماً، ولا يتجرأ على أموال الناس غصباً وعدواناً، ولا يأكل السحت وكأنه لا يخشى مولاه، ولا يشرب حراماً؛ بل إنه قد حافظ على جوارحه من الحرام، وعلم أنه لو أكل حراماً ثم رفع يديه ولو في رمضان ولو في السحر ولو بعد القيام الطويل وبعد الصيام الطويل فإنه يرد خائباً، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ويحفظ جوارحه فلا يشرب الحرام، فلا يتجرأ على شرب الخمر؛ لأنه يعلم أن فاعل ذلك ملعون، فقد لعن في الخمر عشرة، ولا ينجس جسده بالمخدرات وغيرها من المهلكات، بل هو حفيظ على جوارحه.
وهو أيضاً حفيظ على رأسه وما وعى، فيحفظ بصره من النظر المحرم، فلا يشاهد المسلسلات الخليعة، ولا النساء المتبرجات العاريات، وإنما يحفظ بصره من النظر المحرم، ويحفظ أذنه من السماع للمحرم: من الأغاني، ومن الفحش، ومن الغيبة، ومن النميمة.
ويحفظ فرجه من الزنا، بل إنه يخشى على عينيه من الزنا، ويخشى على أذنه من الزنا، ويخشى على يده من الزنا، وعلى فرجه من الزنا؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العين تزني وزناها النظر، والفم يزني وزناه القبل، واليد تزني وزناها البطش، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيحين.