وهو قول الإمام مالك ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو: جواز القراءة للحاجة، ويدخل فيه الصنعاني الذي يقول بالكراهة ولا يقول بالجواز، واستدل أصحاب هذا القول بخمسة أدلة: الدليل الأول: أن الأصل عدم المنع؛ لأنه ليس هناك دليل يمنع، والأدلة التي جاءت بالمنع أدلة ضعيفة.
فأجازوا القراءة للحاجة لا للضرورة؛ لأن القاعدة عند العلماء: أن الحاجيات تبيح المكروهات، أما الضرورات فتبيح المحظورات، وإلا فأنا أقول: بأن المرأة الحائض تقرأ للضرورة، أي: إن كانت ستمتحن أو ستختبر وسترسب إذا لم تقرأ فلها أن تقرأ.
الدليل الثاني: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، ووجه الدلالة قوله:(افعلي ما يفعل الحاج)، والحاج يذكر الله، ويسبح، ويستغفر، ويقرأ القرآن، فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(افعلي ما يفعل الحاج)، ولو كان القرآن ممنوعاً لخصصه كما خصص الطواف، وهذا قول وجيه جداً، فلما لم يبين دل ذلك على الجواز.
الدليل الثالث: ما استدل به ابن عباس كما عند البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى كسرى وقيصر: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، وقال:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ}[آل عمران:٦٤] إلى آخر الآيات)، قال: والكافر جنب؛ لأن الكافر يجامع امرأته ولا يغتسل، وهو سوف يقرأ القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك.
الدليل الرابع: أن هناك أخباراً وأحاديث صحيحة تذم من نسي القرآن، وتثبت أن القرآن يتفلت، فلا بد من المحافظة عليه، وفيها إشعار على أن الذي يتفلت منه القرآن بغفلته يكون آثماً، بل يدخل في قول الله تعالى:{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:٣٠].
الدليل الخامس: الاستدلال بهذه القاعدة العظيمة: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما قال ابن تيمية، فالواجب عدم النسيان لحرمة النسيان، فلا يتم الواجب إلا بالقراءة، سواء كانت حائضاً أو غير حائض، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.