للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال العلماء في ابن تيمية]

الحمد لله فاطر الأرض والسماوات، الذي خلق كل شيء فأبدعه، وجعله دلائل على ربوبيته وآيات باهرات، وأجرى البحار والأنهار وأرسى الجبال الشامخات، وزين السماء بالكواكب وجعلها حفظاً من مسترقي السمع وأرسل عليهم شهباً خاطفات، وجعل الشمس والقمر آيتين من آياته الباهرات، وجعل كسوفهما وخسوفهما على العباد من الابتلاءات، وأنزل الكتاب فيه الآيات الواضحات، فأرسل أفضل البشر بالبشارات والنذارات عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات، واصطفى له خير صحبة تمسكوا بسنته وصاروا على نهجه، وكان لهم أسمى الصفات والأخلاقيات، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ورزقهم النصر والفتوحات، ثم اصطفى من بعدهم خيرة خلقه لحمل الكتاب وعن النبي الروايات، وجعلهم واسطة بين الخلق وبين رب السماوات، وقد وصفهم بالنجوم الهاديات، والله نسأل أن يجمعنا بهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنات.

أما بعد: فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه على ما منّ علينا من إتمام الدروس العلمية، ثم بهذا اللقاء الحافل لإخوة أفاضل وأخوات فضليات، وإن من دواعي سروري وامتناني واعتزازي وافتخاري أن أجلسني ربي بجانب شيخنا الفاضل الكريم في هذه الليلة المباركة، فقد أحسن معنا منذُ التزمنا ومنذ نعومة أظفارنا ونحن نجلس بين يديه إلى يومنا هذا أتم الإحسان، ولا أريد أن أكثر من مدحي فيه، فإنه يستغني عن مدح مثلي، فالحمد لله تعالى الذي تتم بنعمته الصالحات.

سنتكلم اليوم عن رجل عز الزمان أن يأتي بمثله، وعقمت النساء أنت تأتي بنظيره، رجل خلقه الله له، كان شديداً على أهل البدعة رفيقاً بأهل السنة، حرباً على أعداء الله سلماً لأوليائه، أحرص الناس على السنة وأشدهم هجراً للبدعة هو: علم الأعلام، مجدد عصره، ودرة دهره، الإمام المفسر المحدث الحافظ الفقيه المجتهد المجاهد محيي السنة وقامع البدعة: شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ثم الدمشقي، إمام زمانه والمقتدى به في أوانه، بركة الزمان وحسنة الأيام، بذل الغالي والنفيس لنصرة الحق، ورفع راية الدين، عانى دهراً يكفأ الباطل ويكشف سيفه، ويحق الحق ويعلي شأنه.

قال الذهبي فيه: شيخنا شيخ الإسلام فرد الزمان وبحر العلوم.

وقال ابن سيد الناس: سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة الأوحد البارع الحافظ الزاهد الورع القدوة شيخ الإسلام وسيد العلماء وقدوة الأئمة الفضلاء، ناصر السنة وقامع البدعة حجة الله على العباد، راد أهل الزيغ والعناد.

وقال فيه السيوطي: هو شيخ الإسلام الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر نادرة العصر أحد الأعلام كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، ومن الزهاد والأفراد.

قال فيه الشوكاني: لا أعلم بعد ابن حزم مثله، وما أظن أنه سمح الزمان بين عصري الرجلين بمن يشابههما أو يطالبهما، قال ابن دقيق العيد بعدما سألوه: رأيته؟ قال: رأيته، قالوا: كلمته؟ قال: كلمته، قالوا: ناظرته؟ قال: لا، قالوا: لِم؟ قالوا: يحب الكلام، وأحب الصمت، وتأول هذا على أنه إذا تكلم كان كالسيل الجرار، فهو بحر العلوم، قالوا: ماذا تقول فيه؟ قال: أقول: لم يرَ مثل نفسه.

قال ابن حجر: شهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس.

وتلقيبه شيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسنة الذكية، ويستمر غداً كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقدارهم، أو تجنب الإنصاف، وكان من أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية، قال: وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز بين المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن علماء الحنابلة، قال أبو الحجاج المزي: ما رأيت مثله، وأبو الحجاج من جهابذة أهل العلم، كان حافظاً نحريراً مدققاً، عالماً بالجرح والتعديل والرجال والأسانيد، يقول عن شيخ الإسلام: ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، ما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع لهما منه؛ لذا حري بنا أن نتصفح جوانب من حياة شيخ الإسلام وسيد الأعلام.

ومن هذه الجوانب: الجانب العلمي، ولا غرو ولا عجب، فهو العالم الرباني، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم.

وقبل الكلام على هذا الجانب المهم من حياة شيخ الإسلام لابد لنا من مقدمة نبين فيها فضل العلم وأهله، تشحيذاً للهمم، وإعانة لمن أراد الوصول إلى القمم.

<<  <  ج: ص:  >  >>