وهذا علي بن أبي طالب الذي باع نفسه صدقاً وإخلاصاً لله جل في علاه، فلما كان طفلاً صغيراً نام على سرير رسول الله، وما حمله على هذا سيادة أو وجاهة أو رياء أو سمعة أو مادة مال أو نساء أو أطفال، فهو طفل صغير ويعلم أن الموت حتماً سيأتيه، فينام على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم إخلاصاً لله جل في علاه، وإخلاصاً لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كافأه الله جل في علاه:{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠]، فنمى الله الإخلاص في قلبه فنصر الله به الدين، فكان أسداً من أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رمت العرب رسول الله عن قوس واحدة وتخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عمرو بن ود وكان صنديداً من صناديد قريش وفوارسهم فقال: يا أيها المسلمون! أما زعمتم أن لكم جنة؟ أما تريدون لقاء ربكم؟ أما يشتاق أحدكم إلى الجنة؟ هل من مبارز؟ فأرعب القوم وما قام أحد إلا علي يعلنها صراحة إخلاصاً لله: لو ضربت السالفة فهي في الله، ولو قتلته فهو في الله، ثم قام علي فقيل له: امكث يا علي! فإنه عمرو بن ود، فقال: وأنا علي بن أبي طالب، ثم نزل المعركة والمبارزة بينه وبين عمرو بن ود، وكان هذا من الإخلاص، لا من الشجاعة ولا البسالة، بل هي لوجه الله، فقال: إني أدعوك إلى ثلاث خصال، قال: هاتها، قال: أن تدخل الإسلام ويكون لك ما لنا وعليك ما علينا، قال: ائتني بغيرها لا حاجة لي بهذه، قال: أن ترجع سالماً، قال: ولا حاجة لي بهذه، قال: إذاً: فإني أشتهي قتلك في سبيل الله؟ فعقر ناقته وأقبل على علي فضربه علي وأصبح كأمس الذاهب، ثم أنشد يقول: عبد الحجارة من سفاهة رأيه وعبدت رب محمد بصواب لا تحسبن الله خاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزاب إن الإخلاص الذي بثه الله في قلوب الصحابة هو الذي مكن لهم، وهو الذي أعلى شأنهم، وهو الذي أعلى ذكرهم، اللهم ألهمنا الإخلاص يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا من المخلصين لك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.