وقوله: كتاب اشتمل على بدائع المعاني وباهرها، وزخرت بحار الفضل إلا أنني ما تعبت في استخراج جواهرها، بل سبحت حتى تناولتها وجنحت إلى ما حاولتها، فيا لله من بدائع وروائع، ولطلائف وطرائف؛ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وما يقرط الأسماع ويقرط الألسن.
وقوله: فلو رأيت أطناب الخيم في أعناق الأسارى يساقون بها مقرنين، لحمدت الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، ولقد شابت بخضاب العجاج ما أرسلته رايات الأبرجة من ذوائب مفرقها، وأسلمت وجهها لله وقطعت زنار خندقها.
وقوله: وما عهدته أدام الله سعادته إلا وقد استراحت عواذله، وعرى به أفراس الصبا ورواحله، إلا أن يكون قد عاد إلى ذلك الجج، ومرض قلبه وما على المريض من حرج. وأيما كان، ففي فؤادي إليه سريرة شوق لا أذيعها ولا أضيعها، ونفسي أسيرة غلة لا أطيقها بل أطيعها، وإني لمشتاق إليك؛ وعاتب عليك، ولكن عتبة لا أذيعها.
وقوله: ورد كتاب لا يجد الشكر عنه محيدا، وآنست القلب الذي كان به وحيدا، وعددت يوم وصوله السعيد عيدا، ووردت منه بئرا غير معطلة وقصرا مشيدا (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وتلك الغاية ليست في وسعي ولا تعلم نفس إلا ما طرق سمعها؛ وتلك المحاسن ما طرق مثلها سمعي، وهذه الأوابد إلا باعد ما طال لها ذراعي ولا استقل بها ذرعي.
وقوله: (لا يجليها لوقتها إلا هو) فسبحانه جلت قدرته جلاها وقد بلغت القلوب الحناجر، وفرجها وقد بلغت الدموع المحاجر ومن بالسلطان على الخلق، وإقامة ليتم به إنشاء الله دين الحق.
وقوله: - في جواب كتاب بعثه العماد إليه في ورق أحمر، فقطعت العرب الطريق على حامله، وأخذوه ثم أعادوه-: ووصل منها كتاب تأخر جوابه لأن العرب قطعوا طريقه، وعقوا عقيقه، ثم أعادوه وما استطاعت أيديهم أن تقبض جمره؛ ولا ألبابهم أن تسيغ خمره، فقطف ورده من شوك أيديهم وحيا حياه الذي جل عن واديهم، وحضر منهم حاضر الفضل الذي ما كان الله ليعذبه بالغربة وأنت في بواديهم، وتشرف منه بعقلية الإنس التي ما كان الله ليمتحنها بقتل واديهم ومسألته بأي ذنب قتلت، وأي شفاعة فيك قبلت، فقال: عرفت الأعراب بضاعتها من الفصاحة، وتناجدت أهل نجد فكل صاح وإصباحه، وقالوا: هذه حقائقنا السحرية، وهذه حقائبنا السحرية؛ وهذه عتائدنا السرية محمولة؛ وهذه مواريث قيثنا وقسنا المأمولة، فقيل لهم: إن الفصاحة تنتقل عن الأنساب، وإن العلم يناله فرسان من فارس ولو كان في السحاب، فدعوا عنكم ثمرا علق بشجراته؛ واتركوا نهبا صيح في حجراته (وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) ثم لمته على الشعث؛ وأحللت به بعد الإحرام؛ فاستباح الطيب؛ وحاشاه من الرفث.
ومن ذلك قول العماد الأصبهاني: صدرت هذه البشرى ودماء الفرنج على الأرض وقيل لها: ابلعي، وعجاجها في السماء وقيل لها: أقلعي، وفاض ماء النصال، وغاض ماء الضلال، وهي بشارة اشترك فيها أولياء النعمة؛ ونبئهم أن الماء بينهم قسمة.
وقول الشيخ جمال الدين بن نباتة- في حضيرة القدس-: وكان معنا شخص يلقب بالخلد سكن بيتا حسنا، وغمض عن الرفاق تغميضا في الخلد بينا، فقال مولانا الصاحب: ما تقول في جنة الخلد، وشكا قوم عشرة هذا الرجل؛ فكتبت على ورقتهم: اصبروا على ما تثقلون (وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعلمون) .
وقوله في منقل نحاس وهو من غريب الاقتباس: طالما حمدت معاشرته وطابت في الليالي مسامرته؛ واطلع من أفقه نجوما سعيدة القران؛ وتلا على الثلج والريح (يرسل عليكما شواظا من نار ونحاس فلا تنتصران) .
وقول القاضي تاج الدين أحمد بن الأثير: ولم يزل القتال ينوبهم وسهام المنون تصيبهم، وسحابها يصيبهم، والسيوف تغمد في الطلى؛ والرماح تركز في الكلى؛ والمجانيق تذلل سورتتهم؛ وتسكن فورتهم، وتقذفهم من كل جانب دحورا، وتعيد كلا منهم مذموما مدحورا، وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالتسليم، وتنتابهم فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.
وقول كمال الدين بن العطار في منازلة قلعة: ونقبت النقوب نظام أساساتها فانحلت، وألقيت النار في أحشائها فألقت ما فيها وتخلت. هذا والمناجيق منا ومنهم تارة وتارة، وكفها يرمي من النفط أصابعها بشرر كالقصر وقودها الناس والحجارة.