للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول الشهاب محمود: - في فتح حصن المرقب-: وتخلخلت قواعد ما شيد من أركانه فانحلت، وانشقت سماؤه من الجزع فألقت ما فيها من الأرض وتخلت، ومشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون. ومنه: فلجأوا إلى الأمان، وتمسك ذل كفرهم بعز الإيمان، وتشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم قد أحيط بهم وجاءهم الموج من كل مكان.

وما ألطف اقتباس أبي طاهر الأصفهاني- في رسالة القوس- إذ قال: وهو صورة مركبة ليس لها من تركيب النظم؛ إلا ما حملت ظهورها والحوايا أو ما اختلط بعظم.

ومن إنشاء الشيخ عبد الرحمن المرشدي؛ من كتب كتبه غلى الأفندي محمد دراز المكي: على رسلك يا رسول البلاغة؛ ماذا التحدي بهذا المعجز الموجز؛ وعلى مهلك يا نبي البراعة فما منا إلا مذعن معجز (والقلم وما يسطرون) ، (وإن هذا إلا سحر يؤثر) ما هذا قول البشر، (حم والكتاب المبين) ما هذا في زبر الأولين.

ومنه: يا أعد قاض أقيم به عماد الدين (آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) .

قلت: هذا وإن عدهم بعضهم من حسن الاقتباس، إلا أني أراه من القسم المردود، لتجاوزه الحدود.

ومن كتاب له إلى بعض كبراء مصر: فياذا القلم السحار، والكلمة الفائقة لطفا على نسائم الأسحار، أعيذ سطرك وطرسك، بالليل إذا تجلى و (أعوذ برب الفلق) ؛ والليل إذا غسق؛ إذ تقوسم بالإزلام أن يكون غيرك ذا القدح المعلى.

وقوله من كتاب آخر: وأما أحوال العسكر الواردة إلى اليمن، المثيرين بمصر تلك الشرور والفتن، فقد جاؤوا إلى بندرة جدة (وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة) ونزل ميدهم وهو في الغاية من السكينة المتمكنة؛ وأما المتجهز منهم في المركب (المجاهد) فقد ندخ بهم المركب إلى القنفذة، وكادت أن تقع بينهم فتنة وعربذة، وذلك عند وصول الماء إليهم فكادوا أن يقتتلوا، فوصل الخبر إلى الموكول إليه، فقال للرسول: أقر بالري عينهم (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) فأطفأ الله النار بذلك الماء وسافروا بعد ذلك غلى حيثما.

ومن ذلك قول الأفندي محمد بن حسن دراز المكي- في جواب كتاب إلى الشيخ عبد الرحمن المرشدي- (والنجم إذا هوى) ما ضل يرعاك وما غوى (علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى) جل فضلك عن التشبيه، وتعالت نباهتك عن الإيماء والتنبيه، ولقبت بالشرف وأنت الشرف النبيه؛ اقتربت ساعة حسادك يا رب البلاغة ووجهك القمر، وأن يروا آية من فضلك يعرضوا، وقد جاء (جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموا قلمك فيما شجر، ويقولوا لجواهر ألفاظك الرطبة إذا نطق ذو اللفظ اليابس: بفيك الحجر، ويوقنوا بحسن تصرفك في التصنيف الذي فيه أنصفت إذ صنفت، وإذا جمع غمام جموعه لمساجلتك قيل له (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت) انتهى.

هذا غيض من فيض، ولم من يم، والقول في هذا الباب لا ينتهي حتى ينتهي عنه، ولا يقف حتى يوقف عليه، فيا أربا الإنشاء والقريض، ويا أصحاب التصريح والتعريض، اقتبسوا مثل هذه الأنوار المشرقة في أشعاركم وخطبكم (وانبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) .

لطيفة- كان القاضي الشهير الشهيد أبو علي الصيرفي المغربي رجلا ذا وقار، يرجع من التقى بأوقار، وعلى وقاره الذي كان يعرف، ندر له مع بعضهم ما يستظرف، وهو: إن فتى يسمى يوسف لازم معطرا رائحته، ومنظفا ملبسه، ثم غاب لمرض قطعه؛ أو أشغل منعه؛ ولما فرغ؛ أو أبل؛ عاود ذلك النادي والمحل؛ وقبل إفضائه إليه؛ دل طيبه عليه. فقال الشيخ- على سلامته من المجون- (إني لجد ريح يوسف لولا أن تفندون) وهي من طرف نوادره.

ومن لطيف ما يحكى هنا: أن المنصور ولى سليمان بن أميل الموصل وضم إليه ألفا من العجم، وقال له: قد ضممت إليك أف شيطان، تذل بهم الخلق. فعتوا في نواحي الموصل، فكتب إليه المنصور: كفرت النعمة يا سليمان، فأجابه (وما فر سليمان ولكن الشياطين كفروا) فضحك منه وأمده بغيرهم.

ولنصرف الآن عنان اليراعة إلى ما وقع من الاقتباس في أشعار أولي البراعة.

فمن الاقتباس من القرآن قول الأحوص:

إذا رمى عنها سلوة قال شافع ... من الحب ميعاد السرور المقابر.

ستبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سرائر ود يوم تبلى السرائر.

وقول أبي القاسم الرافعي:

<<  <   >  >>