للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشير إلى المسألة الأصولية وهي أنه إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع.

وقول ابن جابر:

جئتها طالبا لسالف وعد ... فأجابت لقد جهلت الطريقة.

إنما موعدي مجاز فقلت الأصل في سائر الكلام الحقيقة.

وقول الشيخ عبد علي بن ناصر الشهير بابن رحمة الحويزي:

وجهك لما قد غدا ظاهرا ... مخبرا عن أصلك الطاهر.

حققت من هذا الذي بان لي ... تطابق الأصل مع الظاهر.

وقوله:

يا هاجري وأنا المحقق حبه ... لحديث حب عن هواه بمعزل.

لو كنت من أهل الأصول وعلمها ... لعلمت باستصحاب حكم الأول.

ومن الاقتباس من علم المنطق قول الشيخ شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:

للمنطقيين أشتكي أبدا ... عين رقيب فليته هجعا.

حاذرها من أحبه فأبى ... أن نختلي ساعة ونجتمعا.

كيف غدت دائما وما انفصلت ... ما نعمة الجمع والخلو معا.

وقد تعقب الشيخ صلاح الدين الصفدي هذه الأبيات في شرح اللامية: بأن المراد في مثل هذا أن يتعجب مما خرج عن القواعد، وهذه القضية موجودة مستعملة، وذلك قولهم: العدد إما زوج أو فرد، فهذه القضية مانعة الجمع، فإن الفردية والزوجية لا يجتمعان، ومانعة الخلو من أحدهما، فلا معنى للتعجب. انتهى.

وقلده في مثل هذا التعجب جماعة كابن حجة وغيره ممن لا يعرف هذا العلم.

وأنا أقول: إن تعجبه ليس من وجود هذه القضية فقط، بل من وجودها مع عدم انفصالها، ومانعة الجمع والخلو لا تكون إلا منفصلة البتة، للحكم بانفصال أحد النسبتين فيها عن الأخرى؛ كما هو صريح قوله (كيف غدت دائما وما انفصلت) ؛ فالتعجب في محله فاعلم.

ومنه قول المحقق نصير الدين الطوسي رحمه الله تعالى:

مقدمات الرقيب كيف غدت ... عند لقاء الحبيب متصلة.

تمنعنا الجمع والخلو معا ... وإنما ذاك حكم منفصلة.

وقوله وأجاد ما شاء رحمه الله:

ما لمثال الذي ما زال مشتهرا ... للمنطقيين في الشرط تسديد.

أما رأوا وجه من أهوى وطرته ... الشمس طالعة والليل موجود.

وقلت أنا في ذلك:

تجن واعتب تجد مني بذاك رضا ... والعذر إن شئت مسموع ومقبول.

ولم أواخذك في ذنب ولا عتب ... فالذنب والعتب موضوع ومحمول.

وقلت أيضاً:

والله لو رمت في غرامي ... إلزام من عنه قد نهاني.

أقمت من حاجبي حبيبي ... عليه برهاناً اقتراني.

وقال آخر:

تالله ما لمعذبي في حسنه ... شبه فأي حشا عليه لم يهم.

لام العذار وميم مبسمة على ... ما أدعي من حسنه برهان لم.

وأما الاقتباس من علم النحو فكثير جدا؛ حتى غلب على غالبهم فيه التوجيه.

ومنه قول أبي الطيب المتنبي:

وإنما نحن في جيل سواسية ... شر على الحر من سقم على البدن.

حولي بكل مكان منهم حلق ... تخطي إذا جئت في استفهامه بمن.

(من) إنما يستفهم بها عمن يعقل؛ يقول: هؤلاء كالبهائم التي لا تعقل؛ فالاستفهام عنهم (بمن) بأن يقال لهم: من أنتم؛ أو من هم خطأ إنما ينبغي أن يستفهم عنهم (بما) لأن موضوعها لما لا يعقل، فيقال لهم: ما أنتم؛ أو ما هم.

ويحكى أن جريرا لما قال:

يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا.

قال له الفرزدق: ولو كان ساكنة قرودا؟ فقال: لو أردت هذا لقلت: ما كانا؛ ولم أقل من كانا.

وروي أن ابن الزبعرى لما سمع قوله تعالى "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" قال: لأخصمن محمداً؛ فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أليس قد عبدت الملائكة؟ أليس قد عبد المسيح؟ فيكون هؤلاء حصب جهنم؛ فقال له صلى الله عليه وسلم: ما أجهلك بلغة قومك؛ (ما) لما لا يعقل.

ومنه قول المتنبي:

من اقتضى بسوى الهندي حاجته ... أجاب كل سؤال عن هل بلم.

وقوله:

إذا كان ما ينويه فعلا مضارعا ... مضى قبل أن تلقي عليه الجوازم.

يقول: إذا نويت فعلا أوقعته قبل فوته؛ وقبل أن يقال: لم يفعل=عل؛ وإن يفعل.

وقول أبي العلاء المعري:

فدونكم خفض الحياة فإننا ... نصبنا المطايا بالفلاة على القطع.

وقول نجم الدين الحنفي:

أضمرت في الحب هوى شاد ... مشتغل بالنحو لا ينصف.

<<  <   >  >>