للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض مجان الحكماء: ما لقينا من الكتاب في الدنيا والآخرة خيرا. أما الدنيا فقد بلينا به، وأخذنا بحفظ فرائضه، وإقامة شرائطه. أما في الآخرة فأنا نلقاه منشورا بسرائرنا، وخفايا صدورنا.

وذكر الجاحظ عامة الكتاب فقال: أخلاق حلوة، وشمائل معسولة وثياب مغسولة، وتظرف أهل الفهم، ووقار أهل العلم، فإذا اصطلوا بنار الامتحان كانوا كالزبد بذهب جفاء، أو كنبات الربيع بالصيف يحركه هيف الرياح،، لا يستندون إلى وثيقة، ولا يدينون بحقيقة أخفر الخلق لأماناتهم وأشراهم بالثمن البخس لعهودهم (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) .

مدح الشعر والشعراء.

كان يقال: الشعر ديوان العرب، ومعدن حكمتها، وكنز آدابها، والشعر لسان الزمان، والشعراء أمراء الكلام.

وقال بعض السلف: الشعر أدنى مروة السري، وأسرى مروة الدني.

وقال آخر: الشعر جزل من كلام العرب تقام به المجالس، وتستنجح به الحوائج، ويشفى به الغيظ.

قلت: روي الزمخشري في ربيع الأبرار هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله، بتقديم وتأخير، وتغيير يسير، وعبارته عنه عليه السلام: الشعر جزل من كلام العرب يشفى به الغيظ ويوصل به إلى المجلس وتقضى به الحاجة.

وكان يقال: المدح مهزة الكرام، وإعطاء الشاعر من بر الوالدين.

وقال بعضهم: أنصف الشعراء فإن ظلامتهم تبقى، وعقابهم لا يفنى، وهم الحاكمون على الحكام.

وقال آخر: الشعر أصالة في العقل، وذكاء للقلب، وطول في السان وجود في الكف.

وقال عليه السلام: إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا.

وكان يقال: النثر يتطاير تطاير الشرر، والنظم يبقى بقاء النقش في الحجر.

وقال دعبل في كتابه -كتاب الشعراء- من فضائل الشعر أنه لا يكذب أحد إلا اجتواه الناس وقالوا كذاب إلا الشاعر، فأنه يكذب فيستحسن منه كذبه، ويحتمل ذلك له ولا يكون عليه عيبا، ثم لا يلبث إن يقال له أحسنت. أن الرجل_الملك أو السوقة_إذا صير ابنه في الكتاب أمر معلمه أن يعلمه القرآن والشعر، فيقرنه بالقرآن، ليس لأن الشعر كالقرآن، لا ولا كرامة للشعر ولكنه من أفضل الآداب فيأمره بتعليمه إياه، لأنه يوصل به المجالس، وتضرب فيه الأمثال ويعرف به محاسن الأخلاق ومساويها، فيذم به ويحمد ويهجى ويمدح. انتهى.

ومن أحسن ما قيل في مدح الشعر: قول أبي تمام:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بناة المعالي أين تبنى المكارم

وأحسن منه قول ابن الرومي:

أرى الشعر يحيي الجود والباس بالذي ... تبقيه أرواح له عطرات

وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات

فصل لأبي بكر الخوارزمي جامع في مدح الشعراء: ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم، والكذب مذموم إلا فيهم. إذا ذموا ثلبوا، وإذا مدحوا سلبوا، وإذا رضوا رفعوا الوضيع، وإذا غضبوا وضعوا الرفيع وإذا أقروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حد، ولم تمتد إليهم بالعقوبة يد.

غنيهم لا يصادر، فقرهم لا يحتقر، وشيخهم يوقر، وشابهم لا يستصغر وسهامهم تنفذ في الإعراض إذا نبت السهام عن الأغراض، وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطبق بها سجل، ولم يشهد عليها عدل، وسرقتهم مغفورة وإن جاوزت ربع دينار وبلغت ألف قنطار. إن باعوا المغشوش لم يرد عليهم وإن صادروا الصديق لم يستوحش منهم، بل ما ظنك بقوم هم صيارفة أخلاق الرجال، وسماسرة النقص والكمال، بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل، واسم صناعتهم مشتقة من العقل.

هذا مختار ما ذكره في اليواقيت في مدح الشعر وأهله.

ومن مختاره: قال المطرزي: كان يقال: اختص اله العرب بأشياء.

العمائم تيجانها، والحبى حيطانها، والسيوف سيجانها، والشعر ديوانها. وإنما قيل: الشعر ديوان العرب لأنهم كانوا يرجعون إليه عند اختلافهم في الأنساب والحروب، ولأنه مستودع علومهم، وحافظ آدابهم، ومعدن أخبارهم. انتهى.

وكانت العرب تعظم الشعر، وتفتخر بقوله. وكانت القبيلة منهم إذا نبغ فيهم شاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك، وضعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، وتباشر الرجال والوالدان لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، واشادة لذكرهم. وكانوا لا يهنون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبع فيهم، أو فرس ينتج.

<<  <   >  >>