للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما وروده في القرآن، فقال الحافظ السيوطي في الإتقان: أنكره ابن الأثير ورد: بأن بعضهم جعل منه فواتح السور، على القول بأن كل حرف منها، من اسم من أسمائه تعالى، وهو منقول عن ابن عباس. وادعى بعضهم: أن الباء في (وامسحوا برؤوسكم) أول كلمة (بعض) ثم حذف الباقي، ومنه قراءة بعضهم (ونادوا يا مال) بالترخيم. ولما سمعها بعض السلف قال: ما أغنى أهل النار عن الترخيم، (وأجاب) بعضهم: بأنهم لشدة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة.

قال: ويدخل في هذا النوع، حذف همزة (أنا) من قوله: (لكنا هو الله ربي) إذ الأصل (لكن أنا) حذفت همزة (أنا) تخفيفا، وأدغمت النون في النون.

ومثله ما قرئ (ويمسك السماء أن تقع علرض) (بما أنزليك) (فمن تعجل في يومين فلثم عليه) (إنها لحدى الكبر) . انتهى.

وأما وروده في الحديث فقد روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: (كفى بالسيف شا) أي شاهدا، وقيل: أنه مكتفى به عن (شافي) وله وجه.

وأما وروده في كلام العرب فكثير جدا، بل قال ابن فارس في فقه اللغة: في سنن العرب، القبض محاداة للبسط، وهو النقصان من عدد الحروف، كقولهم: درس المنا، يريدون المنازل. ونار الحبا، أي الحباحب. انتهى.

وأنشد ابن جني عليه قول الشاعر (وعدتني أم عمر وإن تاريخ) أي أن تسمح، وقول علقمة (مفدم بسبا الكتان مختوم) أي بسبائب، وقول لبيد (درس المنا بمتالع فأبان) ، وقال آخر (قواطن مكة من ورق الحما) أي الحمام، وقال آخر (ليس حي على المنون بخال) أي بخالد.

إذا علمت ذلك، بالاكتفاء ببعض الكلمة على ضربين، ضرب يكون بدون تورية كما تقدم من قول الشاعر (قواطن مكة من ورق الحما) وقوله (ليس حي على المنون بخال) .

ومنه قول القاضي الفاضل من قصيدة فريدة:

لعبت جفونك بالقلوب وحبها ... والخد ميدان وصدغك صولجا (ن)

وأول هذه القصيدة:

زار الصباح فكيف حالك يا دجى ... قم فاستند بفروعه أو فالنجا

رأت الغصون قوامه فتأودت ... والروض أنشر نشره فتأرجا

يا زائري من بعد يأس ربما ... تمنى المنى من بعد أرجاء الرجا

أترى الهلال ركبت منه زورقا ... أولا فكيف قطعت بحرا من دجى

أم زرتني ومن النجوم ركائب ... فأرى ثرياها تريني هودجا

ومنه قول هبة الله بن سناء الملك:

أهوى الغزالة والغزال وإنما ... نهنهت نفسي عفة وتدينا

ولقد كففت عنان عيني جاهدا ... حتى إذا أعييت أطلقت العنا (ن)

ويعجبني من هذا النوع قول الشيخ قطب الدين الحنفي المكي المتوفى سنة تسعين وتسعمائة بمكة المشرفة زادها الله شرفا وتعظيما:

رعى الله ليلة زار الحبيب ... وغاب الرقيب إلى حيث أل

يشير إلى قول الشاعر (إلى حيث ألقت رحالها أم قشعم) وأم قشعم: المنية والداهية. وهذا البيت من جملة أبيات لطيفة للشيخ المذكور لا بأس بغيرادها هنا، وهي:

ألا حلل الله سيف المقل ... فكم ذا أباد وكم ذا قتل

وما من قتيل له في الهوى ... سوى ألف راض بما قد فعل

لقد نصر الله جيش الملاح ... ببدر لنا حسنه قد كمل

إذا قتلتني عيون الظبا ... فيا فرحي قد بلغت الأمل

رعى الله ليلة زار الحبيب ... وغاب الرقيب إلى حيث أل

فأجلسته في سواد العيون ... وقد غسل الدمع ذاك المحل

وألصقت خدي بأقدامه ... وذبلت أخمصه بالقبل

وعانقته وخلعت العذار ... ومزقت ثوب الحيا والخجل

فرق ومال بأعطافه ... فديت بروحي ذاك الميل

وما زلت أشغله بالحديث ... وستر الظلام علينا انسدل

إلى أن غفا جفنه ناعسا ... وعني تغافل أو قد غفل

فحليت عن خصره نده ... وأنضيت عن معطفيه الحلل

وبت أشاهد صنع الإله ... تبارك رب البرايا وجل

فظن بي الخير أولا تظن ... فما أنت تسأل عما حصل

حكى لي بعض الأصحاب: أن الشيخ كان قد ختم هذه الأبيات بالبيت الذي قبل البيت الأخير، حتى أنشدها يوما في مجلس سلطان مكة المشرفة الشريف حسن بن أبي نمى، فقال له الشريف مداعبا: ثم ماذا؟ فإنه محل ريبة. فأنشد البيت الأخير مرتجلا وختم به الأبيات، والله أعلم.

ومن هذا النوع من الاكتفاء أيضاً قول سيدي الوالد متع الله ببقائه:

<<  <   >  >>