ويلفظ سمعي منطقا لم يفه به ... على أنه كالسحر لا بل هو السحر
ففيه ولا كل الكلام بمشتهى ... سوى مدح سيف الدين عن مثله وقر
وقوله من أخرى في بعض رؤساء أسرته:
يبدو لي البرق أحيانا وبي ظمأ ... فلا أبالي بصوب العارض الهطل
وفي ابتسامة سعدى عنه لي عوض ... فلم أشم بارقا إلا من الكلل
هيفاء تشكو إلى دمعي إذا ابتسمت ... عقودها الثغر شكوى الخصر للكفل
يغضي لها الريم عينيه على خفر ... ولا يمد إليها الجيد من خجل
طرقتها وسناها كاد يعذرني ... لو لم يجرني زمام الفاحم الرجل
وإن سرت نم بالمسرى تبرجها ... فالمسك في أرج والحلي في زجل
أشكو إلى الحجل ما يأتي الوشاح به ... وألزم الريح ذنب العنبر الشمل
إذ لمتي كجناح النسر داجية ... والعيش رقت حواشي روضه الخضل
واها لذلك من عصر ملكت به ... على الجآذر فيه طاعة المقل
لو رمت بابن أبي الفتيان رجعته ... لعادت البيض عن أيامه الأول
ففي الشبيبة عما فاتنا بدل ... وليس عنها سوى نعماه من بدل
وقوله من أخرى في المقتدي بأمر الله، وقد تقدم مطلعها في حسن الابتداء:
وقد ساءني أن أرى دارها ... تصوغ الحمائم فيه اللحونا
لئن ضنت السحب الغاديات ... فلست بدمعي عليها ضنينا
كأن الشآبيب من صوبه ... مواهب خير بني الخير فينا
وقوله من أخرى كتب بها إلى بعض إخوانه من سروات العجم لصداقة بينهما:
وحنة بت أستبكي الخلي بها ... وقد بدا من حفافي توضح علم
أصبو إليه وقد جر الرياح به ... ذيولها وتولت وشيه الديم
وما بي الربع لكن من يحل به ... وإنما لسليمي يكرم السلم
والدهر يغري نواها بي وعن كثب ... من صرفه بأبي عثمان أنتقم
قوله (من حفافي توضح) أي من جانبيه، وهو مثنى حفاف، بكسر الحاء المهملة وفتح الفاء - ككتاب - وهو الجانب.
وممن جاء بالبديع الخالص من محاسن المخالص، أبو الحسن علي بن محمد التهامي وهو كما قال فيه أبو الحسن الباخرزي في دمية القصر: له شعر أدق من دين الفاسق، وأرق من دمع العاشق كأنما روح بالشمال أو علل بالشمول، فجاء كنيل البغية أو درك المأمول. انتهى.
فمن ذلك قوله من قصيدة في الشريف محمد بن الحسين مطلعها:
حازك البين حين أصبحت بدرا ... إن للبدر في التنقل عذرا
فارحلي عن أردت أو فأقيمي ... عظم الله للهوى في أجرا
لا تقولي لقاؤنا بعد عشر ... لست ممن يعيش بعدك عشرا
ولم يزل ينتقل في حدائق هذا الغزل حتى قال:
كلما مرت الركاب بأرض ... كتبت أسطرا من الدم حمرا
ثم اتبعنها الحوافر نقطا ... فغدت تقترى لمن ليس يقرا
تتبارى بكل خبث رحيب ... يشبه ابن الحسين خلقا وصدرا
وقوله من أخرى يمدح الشريف القاضي بدمشق، مطلعها:
هي البدر لكن تستسر مدى الدهر ... وكل سرار البدر يومان في الشهر
هلالية نيل الأهلة دونها ... وكل نفيس القدر ذو مطلب وعر
ومنها:
لها ريقة استغفر الله أنها ... ألذ وأشهى في النفوس من الخمر
وصارم طرف لا يزايل جفنه ... ولم أر سيفا قط في جفنه يفري
أعانق منها صعدة زاغبية ... ترى زجها في موضع النظر الشزر
ويقصر ليلي إن ألمت لأنها ... صباح وهل لليل بقيا مع الفجر
إلى أن قال:
أقول لها والعيس تحدج للنوى ... أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر
سأنفق ريعان الشبيبة آنفا ... على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس من الخمران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
يبدل وجه الدهر من كل وجهة ... لنا صدء التعبيس من رونق البشر
ألم ترني استرضع الغيث دره ... لسعدى واستسقي لها سبل القطر
سقاها إذا اشتاقت من الغيث وابل ... هزيم الكلى واهي المزادة ذو نهر
أجش ملث مغدق الوبل جوده ... كجود علي أو كنائله الغمر
وقوله من أخرى يمدح أبا القاسم بن المغربي أجاد فيها كل الإجادة، مطلعها:
أرحت قلبي من عداة الملاح ... لليأس روح مثل روح النجاح