وربما حكمت في مهجتي ... نشوان من ماء الصبا والمراح
وكيف لا تدركه نشوة ... واللحظ راح وجنى الريق راح
لو لم تكن ريقته خمرة ... لما تثنى عطفه وهو صاح
يبسم عن ذي أسر مثلما ... يلتقط الظبي بفيه الأقاح
ومنها:
وموقف لولا التقى لا التقى ... فيه نجادي ونظام الوشاح
قلت لخلي وثغور الربى ... مبتسمات وثغور الملاح
أيهما أبهى ترى منظرا ... فقال لا أعلم كل أقاح
كيف رجوعي في الهوى بعدما ... خلعته خلع ردائي فطاح
وإنجاب عن فودي ليل الصبا ... لكل ليل مدلهم صباح
فازورت البيض وأبصارها ... مطروفة عني وكانت صحاح
من كان يهواك لشيء مضى ... إذا انقضى عنك تولى وراح
وخلة أظهر ما أضمرت ... سيري فقالت أقلى وأطراح
فانحل سلك الدمع في ثغرها ... فشجت الخمر بماء قراح
وما زال يتلاعب بهذه المعاني والألفاظ، وتغازله رقائق هذا الافتنان مغازلة الألحاظ، إلى أن قال فأغرب، وأسمع فأطرب:
ومجهل مشتبه طرقه ... كأنما هن خطوط براح
يسعدني فيه وفي غيره ... ذوو صدور كفلاة فساح
كأنما أشباح أنضائنا ... قسي نبع وكأنا قداح
حتى اجتلينا بعد طول السرى ... بغرة الكامل وجه الصباح
فقال لي صحبي أبدر السما ... فقلت لا بل هو بدر السماح
وقوله من أخرى:
إن الحجاز على تنائي أرضه ... ناهيك من بلد إلي محبب
فسقاه منهمر الرباب كأنه ... يد جعفر بن محمد بن المغربي
وقوله من أخرى في المفرج بن دغفل الطائي، مطلعها:
بعثن غداة تقويض الخيام ... منية كل صب مستهام
وما ألطف قوله منها:
وأقسم ما معتقة شمول ... ثوت في الدن عاما بعد عام
بأطيب من مجاجتهن طعما ... إذا استيقضن من سنة المنام
ولم أرشف لهن جنى ولكن ... شهدن بذاك أعواد البشام
إلى أن قال:
وأظلمهن إن ناديت يوما ... بإحداهن يا بدر التمام
كما ظلم الندى من قاس يوما ... ندى كف المفرج بالغمام
فتى جبلت يداه على العطايا ... كما جبل اللسان على الكلام
وقوله من أخرى فيه أيضاً، مطلعها:
ألم بمضجعي بعد الكلال ... خيال من هلال بني هلال
إلى أن قال:
بمقلتها لعمر أبيك سحر ... به تصطاد أفئدة الرجال
سمعنا بالعجاب وما سمعنا ... بأن الليث من قنص الغزال
لقد بذل الفراق لنا رخيصا ... لقاء العامرية وهو غال
وأبدى من محياها نهارا ... يجاور من ذوائبها ليالي
أحن إلى الفراق لكي أراها ... وإن كان الفراق علي لا لي
أشارت بالوداع وقد تلاقت ... عقود الثغر والدمع المسال
وأبكاني الفراق لها فقالت ... بكاء متيم ورحيل قال
فقلت لها أودع منك شمسا ... إلى شمس الهدى شمس المعالي
ومن محاسن المخالص قول بديع الزمان الهمداني في قصيدة يمدح بها أبا علي بن أبي الحسين بن سيمجور، وقد قصده بمرو الروذ، ولحسن هذه القصيدة وبراعتها عن لي إيرادها هنا بجملتها وهي:
علي أن لا أريح العيس والقتبا ... وألبس البيد والظلماء واليلبا
وأترك الخد معسولا مقبلها ... وأهجر الكأس يعرو شربها طربا
حسبي الفلا مجلسا والبوم مطربة ... والسير يسكرني من مسه تعبا
وطفلة كقضيب البان منعطفا ... إذا مشت وهلال الشهر منتقبا
تظل تنثر من أجفانها حببا ... دوني وتنظم من أسنانها حببا
قالت وقد علقت ذيلي تودعني ... والوجد يخنقها بالدمع منسكبا
لا در در المعالي لا يزال لها ... برق يشوقك لا هونا ولا كثبا
يا مشرعا للمنى عذبا موارده ... بيناه مبتسم الأرجاء إذ نضبا
أطلعت لي قمرا سعدا منازله ... حتى إذا قلت يجلو ظلمتي غربا
كنت الشبيبة أبهى ما دجت درجت ... وكنت كالورد أبهى ما أتى ذهبا
أستودع الله عينا تنتحي دفعا ... حتى تؤوب وقلبا يرتمي لهبا
وظاعنا أخذت منه النوى وطرا ... من قبل يقضى الهوى من حكمه أربا
غطى عليك قناع الصبر أن لنا ... إليك أوبة مشتاق ومنقلبا