للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبى المقام بدار الذل لي كرم ... وهمة تصل التخويد والخببا

وعزمة لا تزال الدهر ضاربة ... دون الأمير وفوق المشتري طنبا

هذا المخلص مما يضرب به المثل في البراعة، ولم ينطق بمثله في الحسن لسان اليراعة، وبعده:

يا سيد الأمراء افخر فما ملك ... إلا تمناك مولى واشتهاك أبا

إذا دعتك المعالي عرف هامتها ... لم ترض كسرى ولا من قبله ذنبا

أين الذين أعدوا المال من ملك ... يرى الذخيرة ما أعطى وما وهبا

ما الليث مقتحما والسيل مرتطما ... والبحر ملتطما والليل مقتربا

أمضى شبا منك أدهى منك صاعقة ... أجدى يمينا وأدنى منك مطلبا

وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا

والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا

يا من تراه ملوك الأرض فوقهم ... كما يرون على أبراجها الشهبا

لا تكذبن فخير القول أصدقه ... ولا تهابن في أمثالها العربا

فما السموأل عهدا والخليل قرى ... ولا ابن سعد ندى والشنفرى غلبا

من الأمير بمعشار إذا اقتسموا ... مآثر المجد فيما أسلفوا نهبا

ولا ابن حجر ولا ذبيان يعشرني ... والمازني ولا القيسي منتدبا

هذا لركبته أو ذا لرهبته ... أو ذا لرغبته أو ذا إذا طربا

ومن ناصع حسن التخلص قول ابن قاضي ميلة من قصيدة يمدح بها ثقة الدولة يوسف بن عبد الله القضاعي، وقد تقدم منها جملة جيدة في نوع التفويف، وتخلصه المشار إليه قوله:

وعاذلة في بذل ما ملكت يدي ... لراج رجاني دون صحبي تعنف

تقول إذا أفنيت مالك كله ... وأحوجت من يعطيكه قلت يوسف

وقول الوزير الطغرائي من قصيدة يمدح بها نظام الملك، منها:

وهاجرة سجراء تأكل ظلها ... ملوحة المغراء رمضى الجناوب

ترى الشمس فيها وهي ترسل خيطها ... لتمتاح ريا من نطاف المذانب

سفعنا بها وجه النهار فراعنا ... بنقبة مسود الخياشيم شاحب

وبات على الأكوار أشلاء جنح ... خوافق فوق العيس مثل العصائب

فلما اعتسفنا ظل أخضر غاسق ... على قمع الآكام جون المناكب

وردنا سحيرا بين يوم وليلة ... وقد علقت بالغرب أيدي الكواكب

على حين عري منكب الشرق جذبة من الصبح واسترخى عنان الغياهب

غدير كمرآة الغريبة تلتقي ... بصوحية أنفاس الرياح اللواهب

إذا ما نبال القطر تاحت له التقى ... بموضونة حصداء من كل جانب

إلى أن قال:

بعيس كأطراف المداري نواحل ... فرقنا بها الظلماء وحف الذوائب

نشطن به عذبا نقاخا كأنما ... مشافرها يغمدن بيض القواضب

رأين جمام الماء زرقا ومثلها ... مشى الصبح فارتابت عيون الركائب

فكم قامح من لجة الماء طامح ... إلى الفجر ظن الفجر بعض المشارب

إلى أن بدا قرن الغزالة ماتعا ... كوجه نظام الملك بين المواكب

قلت: وما زلت معجبا بقوله:

نشطن به عذبا نقاخا كأنما ... مشافرها يغمدن بيض القواضب

ظنا بأنه لم يسبق إلى هذا التشبيه، ولا شاركه أحد من الشعراء فيه حتى وقفت عليه في قول ابن المعتز يصف حمار الوحش:

وأقبل نحو الماء يستل صفوه ... كما غمدت أيدي الصياقل منصلا

وقوله أيضاً:

وأغمدن في الأعناق أسياف لجة ... مصقلة تغري بهن المفاوز

ومن التخلص البديع قول الطغرائي أيضاً:

سروا يطردون الليل عن متبلج ... من الصبح يهدي الناظر المتوسما

تجهمهم وجه الزمان فألمعوا ... له بشهاب الدين حتى تبسما

أخذه القاضي الأرجاني، ومزجه بسلاف التورية، فقال من قصيدة يمدح بها شهاب الدين أحمد بن أسعد الطغرائي:

فلا تكثرن شكوى الزمان فإنما ... لكل ملم جيئة وذهاب

وقد كان ليل الفضل في الدهر داجيا ... إلى أن بدا للناظرين شهاب

ومنه قول جعفر بن شمس الخلافة:

وإني وإن نزهت شيبي عن الخنا ... وأرضيت عذالي وأصغيت للنصح

لأهتز في الأحيان شوقا إلى الصبا ... كما اهتز مولانا العزيز إلى المدح

وقوله أيضاً من قصيدة في الملك المسعود مع زيادة التورية:

<<  <   >  >>