أحن إلى هواها وهو حتفي ... كمجروح يداوى بالجراح
ولا وأبيك ليس الحب سهلا ... فكم جد تولد من مزاح
خلقت من الغرام فلا أبالي ... أكان به فسادي أم صلاحي
ولولا تمسك الأطمار جسمي ... لطار من النحول مع الرياح
وحب الغانيات حياة روحي ... وراحتها وريحاني وراحي
محبتهن ضاهت في فؤادي ... محبة أحمد طرق السماح
ومن مخالصي التي فاقت سبائك الخلاص قولي من قصيدة علوية، أرجو بها التخلص في يوم القصاص، وقد مر إنشاد مطلعها وصدر منها في حسن الابتداء، ومنها بعدما تقدم:
ترمي ولا تدري بما سفكت ... تلك اللواحظ من دم هدر
الله لي من حب غانية ... ترمي الحشا من حيث لا تدري
بيضاء من كعب وكم منعت ... كعب لها من كاعب بكر
زعمت سلوي وهي سالية ... كلا ورب البيت والحجر
ما قلبها قلبي فأسلوها ... يوما ولا من أمرها أمري
أبكي وتضحك إن شكوت لها ... حر الصدود ولوعة الهجر
وعلى وفور ثراي لي ولها ... ذل الفقير وعزة المثري
لم يبق مني حبها جلدا ... إلا الحنين ولا عج الذكر
ويزيد غلي الماء ما ذكرت ... والماء يثلج غلة الصدر
قد ضل طالب غادة حميت ... في قومها بالبيض والسمر
ومؤنب في حبها سفها ... نهنهته عن منطق الهجر
يزداد وجدي من ملامته ... فكأنه بملامه يغري
لا يكذبن الحب أليق بي ... وبشيمتي من سبة الغدر
هيهات يأبى الغدر لي نسب ... أعزى به لعلي الطهر
وقلت في مديحها:
إن تنكر الأعداء رتبته ... شهدت بها الآيات في الذكر
شكرت حنين له مساعيه ... فيها وفي أحد وفي بدر
ومنه:
وأذكر مباهلة النبي به ... وبزوجه وابنيه للنفر
وأقرأ وأنفسنا وأنفسكم ... فكفى بها فخرا مدى الدهر
هذي المفاخر والمكارم لا ... قعبان من لبن ولا خمر
ومناقب لو شئت أحصرها ... لحصرت قبل أهم بالحصر
وقولي من أخرى في سيدي الوالد، وهو يستغني بتمكنه وقوته من ذكر ما قبله، وهو:
ما كنت أحسب فيه أيضاً عارضت بها قصيدة ابن منير اليائية التي تقدم إنشاد شيء منها استطرادا في نوع القسم، ومن غزل قصيدتي هذه قولي:
قامت تدير سلافا من مراشفها ... حبابها لؤلؤ الثغر الجماني
في ليلة من أثيث الشعر حالكة ... منها دجا حندس الليل الدجوجي
تريك إن أسفرت غراء مائسة ... بدر السماء على أعطاف خطي
من أين للظبي أن يحكي ترائبها ... ولو تشبه ما حاك كمحكي
كم لوعة بت أخفيها وأظهرها ... فيها وسر التصابي غير مخفي
أما وصعدة قد من معاطفها ... وعضب لحظ نضته هندواني
ما أن عذلت على حبي الفؤاد لها ... إلا وجاء بعذر فيه عذري
وافت فأذكت هموما غير جامدة ... واذكرتني عهدا غير منسي
وما زلت أحمل على كواهل الغزل ثقل هذه القافية، إلى أن قلت:
يا حبذا نظرة هام الفؤاد بها ... أزرت وعينيك بالظبي الكناسي
لقد نعمت بوعد منك منتظر ... ونائل من نظام الدين مقضي
هذا المخلص مما صدقت فيه التخلص وما تخرصت، ووثبت فيه من التغزل إلى المديح وما تربصت، واستوفيت فيه شروط حسن التخلص لما تخلصت.
وقولي أيضاً من أخرى تخلصت فيها من الافتخار إلى المدح:
كم قلبتني الليالي في تقلبها ... فكنت قرة عين الفضل والأدب
تزيدني نوب الأيام مكرمة ... كأنني الذهب الأبريز في اللهب
لا أستريب بعين الحق أدفعه ... ولا أراب بعين الشك والريب
لقد طلبت العلى حتى انتهيت إلى ... ما لا ينال وكانت منتهى أربي
حسبي من الشرف العليا أرومته ... أن انتمي لنظام الدين في حسبي
وقد تقدم أكثر هذه القصيدة في نوع الاستعارة.
ولنكتف من محاسن التخلص بهذا المقدار، فقد أوردنا منها ما تستحليه الأسماع وتستجلبه الأفكار.
تنبيه - قد تقدم أن أحسن التخلص ما كان في بيت واحد، وأحسن منه ما كان من الغزل إلى المدح.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح اللامية: وقد ذم بعض المتأخرين ذلك، لكنه حسن ما قبح، فقال: