للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجميع شعر أبي فراس من الجيد الحسن, وهو كما قال فيه بعض العلماء: لو سمعته الوحش أنست, أو خوطب به الخرس نطقت, أو استدعي به الطير نزلت.

ومن بديع الانسجام قول أبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان:

وقد علمت بما لاقته منا ... قبائل يعرب وابنا نزار

لقيناهم بأرماح طوال ... تبشرهم بأعمار قصار

وقوله وهو مما يتغنى به:

وزعمت أني ظالم فهجرتني ... ورميت في قلبي بسهم نافذ

فنعم ظلمتك فاغفري لي زلتي ... هذا مقام المستجير العائذ

وقول أبي المطاع بن ناصر الدولة بن حمدان:

إني لأحسد (لا) في أسطر الصحف ... إذا رأيت عناق اللام للألف

وما أظنهما طال اجتماعهما ... إلا لما لقيا من شدة الشغف

وقوله أيضاً:

أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه

فما خلعت نجادي للعناق له ... حتى لبست نجادا من ذوائبه

وقوله وهو من المرقص:

قالت لطيف خيال زارها ومضى ... بالله صفه ولا تنتقص ولا تزد

فقال خلفته لو مات من ظمأ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

قالت صدقت الوفا في الحب عادته ... يا برد ذاك الذي قالت في كبدي

وقول أبي وائل الحمداني لما أسر:

يا خليلي أسعداني فقد عي ... ل اصطباري على احتمال البلية

غربة قارظية وغرام ... عامري وحنة علويه

وقول أبي العاشر:

أأخا الفوارس لو رأيت مواقفي ... والخيل من تحت الفوارس تنحط

لقرأت منها ما تخط يد الوغى ... والبيض تشكل والأسنة تنقط

وقوله أيضاً وأجاد: سطا علين امن حاز الجمال سطا=ظبي من الجنة الفردوس قد هبطا

له عذران قد خطا بوجنته ... فاستوقفا فوق خديه وما انبسطا

وظل يخطو فكل قال من شغف ... يا ليته في سواد الناظرين خطا

وحدث بعضهم قال: دخلت إلى أبي العاشر أعوده من علة عرضت له فقلت له: ما يجد الأمير؟ فأشار إلى غلام بين يديه كان رضوان غفل عنه فابق من الجنة, وأنشد:

أسقم هذا الغلام جسمي ... بما بعينيه من سقام

فتور عينيه من دلال ... أهدى فتورا إلى عظامي

وامتزجت روحه بروحي ... تمازج الماء بالمدام

وهؤلاء آل حمدان رضوان الله عليهم, ما منهم إلا شجاع مدقع وفصيح مصقع, وفيهم يقول الثعالبي: كان بنو حمدان ملوكاً؛ أوجههم للصباحة, وألسنتهم للفصاحة, وأيديهم للسماحة, وعقولهم للرجاحة.

وقال: اخبرني جماعة من أهل الأدب؛ أن المتنبي لما عوتب في آخر أيامه على تراجع شعره قال: قد تجوزت في قولي, وأعفيت طبعي, واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان. انتهى.

ومن الانسجام المرقص قول أبي الفرج الببغاء:

يا سادتي هذه روحي تودعكم ... إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع

قد كنت أطمع في روح الحياة لها ... فالآن إذ بنتم لم يبق لي طمع

لا عذب الله روحي بالبقاء فما ... أظنني بعدكم بالعيش أنتفع

ومثله قول الوأواء الدمشقي:

بالله ربكما عوجا على سكني ... عاتباه لعل العتب يعطفه

وعرضا بي قولا في كلامكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه

فان بدا لكما من سيدي غضبا ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه

ومثله قول أبي طالب الرقي:

ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق

وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على زجاج أزرق

والفجر فيه كأنه قطر الندى ... ينهل من سيح الغمام المغدق

وقوله أيضاً:

ومعير وجه البدر ما في وجهه ... والغصن ما في قده المتأود

رمدت جفوني من تورد خده ... فكحلتها من عارضيه بأثمد

ومن البديع في هذا الباب قول تميم بن أبي تميم معد بن تميم صاحب مصر:

ما بان عذري فيه حتى عذرا ... ومشى الدجى في خده فتحيرا

همت تقبله عقارب صدغه ... فاستل عارضه عليها خنجرا

والله لولا أن يقال تغيرا ... وسلا وإن كان التسلي أجدرا

لا عدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبرا

وفاة ابنه:

نحن بنو المصطفى ذوو محن ... يجرعها في الحياة كاظمنا

عجيبة في الأنام محنتنا ... أولنا مبتلى وخاتمنا

<<  <   >  >>