للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالله يا أقحوان مبسمه ... على قضيب العقيق من نظمك

وقول القاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي:

قل للمليحة في الخمار المذهب ... أفسدت دين أخي التقي المترهب

نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يلتهب

وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب

وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي

وما ألطف قوله: اذهبي لا تذهبي وعلى ذكر هذه الأبيات, يحكى أن بعض التجار قدم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعه حمل من الخمر السود, فلم يجد لها طالبا, فكسدت عليه, وضاق صدره, فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين في الظرف والخلاعة. فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد, فأتاه وقص عليه القصة, فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحالة, فقال له التاجر: أنا غريب وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل, وتضرع إليه فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول.

وعمل هذين البيتين وشهرهما, وهما:

قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا أردت بناسك متعبد

قد كان شمر للصلاة إزاره ... حتى وقفت له بباب المسجد

فشاع بين الناس أن مسكين الدرامي رجع إلى ما كان عليه, وأحب واحدة ذات خمار أسود, فلم يبق في المدينة ظريفة إلا وطلب خمارا أسود, فباع التاجر الحمل الذي كان معه لكثرة رغبتهم, فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه, والله أعلم.

وهذا حين أتلو عليك من انسجامات مهيار بن مرزويه الديلمي ما هو أرق من النسيم, وأشرف من المحيا الوسيم. وما أصدق قول أبي الحسن الباخرزي في حقه: هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر, وكاتب تجلى تحت كل كلمة من كلماته كاعب, وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه لو, وليت, فهي مصبوبة في قوالب القلوب, وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب.

فمن ذلك قوله من قصيدة:

يا نسيم الريح من كاظمة ... شد ما هجت البكا والبرجا

من عذيري يوم شرقي الحمى ... من هوى جد بقلب مزرحا

الصبا إن كان لابد الصبا ... أنها كانت لقلبي أروحا

يا نداماي بسلع أهل أرى ... ذلك المغبق والمصطحبا

اذكرونا مثل ذكرانا لكم ... رب ذكرى قربت من نزحا

وارحموا صبا إذا غنى بكم ... شرب الدمع وعاف القدحا

وقوله من أخرى:

ولائم ملتفت عن صبوتي ... ينكرها ولو أحب لصب

إذا نسيت بهواي ساءه ... مصرحا وإن كنيت غضبا

وما عليه أن غرمت بابلا ... بحاجر وفاطما بزينبا

يلومني لا مات إلا لائما ... أو عاش عاش بالهوى معذبا

قال عشقت أيبا يعدها ... منقصة نعم عشقت اشيبا

هل شعر بدلته بشعر ... مبدل بأرب لي أربا

أبى الوفاء والهوى وبالغ ... معذرة من سيم عذرا فأبى

وقوله في صدر أخرى:

أتراها يوم صدت أن أرها ... علمت أني من قتلى هواها

أم رمت جاهلة ألحاظها ... لم تميز عمدها لي من خطاها

لا ومن أرسلها مفتنة ... تجرح النسك بجمع وقضاها

ما رمى نفسي إلا واثق ... أنه يقضي عليها من رماها

سنحت بين المصلى ومنى ... مسنح الظبية تستقري طلاها

فجزاها الله عن فتكها ... في حريم الله سواءا ما جزها

قال واشيها وقد راودتها ... رشفة تبرد قلبي من لماها

لا تسمها فما أن الذي ... حرم الخمرة قد حرم فاها

أعطيت من كل حسن ما اشتهت ... فرآها كل طرف فاشتهاها

حماها خفر في وجهها ... ووقار قبل أن تسمي أباها

غدت الشمس إذا ما أسفرت ... أختها والغصن إن مست أخاها

ولو أن النجم يرتاح لها ... لحظة في غير ما جمع ما اجتلاها

آه مما أسارت في كبدي ... من جوى تلك الليالي البيض آها

وقال من أخرى

من بمنى وأين جيران منى ... كانت ثلاثا لا تكون أربعا

راحوا فمن ضامن دين ما وفي ... وحالف بالبيت ما تورعا

وفي الحدوج غاربون أقسموا ... لا تركوا شمسا تضيء مطلعا

سعى بي الواشي إلى أميرهم ... لا طاف إلا خائفا ولا سعى

<<  <   >  >>