للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل ذلك بعينه ما حكاه الشيخ فتح الدين بن السيّد الياس: أن الشيخ بهاء الدين النحاس دخل إلى الجامع الأزهر يوما, فوجد أبا الحسين الجزار جالسا إلى جانبه وإلى جانبه مليح, ففرق بينهما وصلى ركعتين, ولما فرغ قال لأبي الحسين الجزار: ما أردت إلا قول ابن سناء الملك, فقال أبو الحسين: وأنا تفاءلت بقول صاحبنا السراج الوراق.

أراد ابن النحاس قول ابن سناء الملك:

أنا في مقعد صدق ... بين قواد وعلق

وأراد الجزار قول السراج الوراق:

ومهفهف راض الأبي فقاده سلس القياد

لما توسط بيننا ... جرت الأمور على السداد

ومن لطيفه أيضاً ما روي: أن أحمد بن يوسف الوزير دخل على المأمون, وعريب جاريته تغمز رجله, فخالسها النظر وأومى إليها بقبلة فقالت: كحاشية البرد, فلم يدر ما أرادت, فحدث بذلك محمد بن بشير فقال له: أنت تدعي الفطنة ويذهب عليك مثل هذا؟ أرادت طعنة وعنت قول الشاعر:

رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم

ومنه قول الحريري: وإني والله لطالما تلقيت الشتاء بكافاته, وأعددت له الأهب قبل موافاته.

يريد قول ابن سكرة:

جاء الشتاء وعندي من حوائجه ... سبع إذا الغيث عن حاجاتنا حبسا

كن وكيس وكانون وكأس طلا ... مع الكباب وكس ناعم وكسا

وقال الآخر وفيه تلميحان:

يقولون كافات الشتاء كثيرة ... وما هن إلا واحد غير مفترى

إذا صح كاف الكيس فالكل حاصل ... لديك وكل الصيد في باطن الفرى

لمح بكافات الشتاء إلى بيتي ابن سكرة, ولمح بقوله (وكل الصيد في باطن الفرى) إلى المثل المشهور (كل الصيد في جوف الفرى) وأصله: أن قوما خرجوا للصيد, فصاد أحدهم ظبيا, والآخر أرنبا, وأخر فرى, أي حمارا وحشيا, فقال لأصحابه في جوف القرى, يعني أن ما صاده كلكم يسير بالنسبة إلى ما صدته. ومن أظرف ما وقع من التلميح إلى بيتي ابن سكرة ما حكي: أن امرأة بارعة الجمال والأدب مرت بقوم وهي ملتفة بكساء, فقال لها بعضهم: من أنت؟ فقالت: أنا السادس في السابع. تشير إلى قوله (وكس ناعم وكسا) فكأنها قالت: أنا الكس الناعم في الكساء ونظم بعضهم هذا المعنى فقال:

رأيتها ملفوفة في كسا ... خوفا من الكاشح والطامع

قلت لها من أنت يا هذه ... قالت أنا السادس في السابع

وما ألطف قول أبي الحسين الجزار ملمحا إلى بيتي ابن سكرة أيضا:

وكافات الشتاء تعد سبعا ... ومالي طاقة بلقاء سبع

إذا ظفرت بكاف الكيس كفي ... ظفرت بمفرد يأتي بجمع

فائدة - قال في القاموس: الكس بالضم للحر ليس من كلامهم وإنما هو مولد. وقال الأنباري في شرح المقامات الكس والسرم لغتان مولدتان وليستا بعربيتين, وإنما يقال: دبر وفرج. وقال الحافظ السيوطي في المزهر: في لفظة الكس ثلاثة مذاهب لأئمة العربية, أحدها هذا, والثاني أنه عربي ورجحه أبو حيان في تذكرته, ونقله عنه الأسنوي في المهمات, وكذا الصغاني في كتاب خلق الإنسان ونقله عنه الزركشي في تتمات المهمات.

قلت: وحكى أبو حيان عن النحاس أنه سمع من كلام العرب:

وا عجبا للساحقات الورس ... الواضعات الكس فوق الكس

الثالث أنه فارسي معرب, وهو رأي الجمهور ومنهم المطرزي في شرح المقامات.

ومنه أيضاً قول بعضهم:

لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظي ... أرق وأحنى منك في ساعة الهجر

ولمح فيه إلى قول الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

وقول ابن حجاج وفيه تلميحان:

نبهت منه لحاجتي عمرا ... ولم أعول فيها على عمرو

لمح في الصراع الأول إلى قول القائل:

إذا أيقضتك حروب العدى ... فنبه لها عمرا ثم نم

وفي المصراع الثاني إلى البيت المذكور.

الفصل الرابع فيما وقع فيه التلميح إلى مثل. فمنه قول كعب بن زهير:

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل

<<  <   >  >>