يشير إلى المثل المشهور (أخلف من عرقوب) وهو رجل من العمالقة, وهو عرقوب بن زهي, أحد بني شمس بن ثعلبة, أو عرقوب بن صخر, على خلاف في ذلك. وكان من خبره أنه وعد أخا له ثمرة نخلة, وقال له: ائتني إذا طلع النخل, فلما أطلع قال: إذا أبلح قال: إذا أزهى (فلما أزهى) قال: إذا رطب قال: إذا أتمر, فلما أتمر جذه ليلا ولم يعطه شيئا.
وقال ( ... ) أو علقمة الأشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب
قال التبريزي: والناس يروون (يثرب) في هذا البيت, بالثاء المثلثة والراء المكسورة, وإنما هو بالمثناة وبالراء المفتوحة: موضع بقرب مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, قال ابن الكلبي. قال ابن هشام: وقاله أبو عبيدة, وقد خولفا في ذلك.
قال ابن دريد: اختلفوا في عرقوب فقيل: هو من الأوس فيصح على هذا أن يكون بالمثلثة المكسورة. وقيل: من العماليق فيكون بالمثناة وبالمفتوحة, لأن العماليق كانت من اليمامة إلى وبار, ويترب هناك. قال: وكانت العماليق أيضاً في المدينة, انتهى.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: سميت المدينة يثرب باسم الذي نزلها من العماليق, وهو يثرب بن عبيد, وبنو عبيدهم الذين سكنوا الحجفة, فأحجفت بهم السيول فسميت الحجفة.
ولا يجوز الآن أن تسمى المدينة يثرب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقولون: يثرب هي المدينة. وكأنه كره هذا الاسم, لأنه من مادة التثريب, وأما قوله تعالى (يا أهل يثرب) فحكاية عمن قاله من المنافقين.
ومنه قول المتلمس:
لذي الحلم قبل اليوم ما تفرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما
يشير إلى المثل (إن العصا قرعت لذي الحلم) يضرب لمن إذا تنبه انتبه.
وذو الحلم هو عامر بن الظرب العدواني كان من حكماء العرب لا تعدل بفهمه فهما, ولا بحكمه حكما. فلما طعن في السن أنكر من عقله شيئاً فقال لبنيه: أنه قد كبرت سني, وعرض لي سهو فإذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المحجن بالعصا. يقال: أنه عاش ثلاثمائة سنة.
وهو الذي يقول:
تقول ابنتي لما رأتني كأنني ... سليم أفاع ليله غير مودع
وما الموت أغناني ولكن تتابعت ... علي سنون من مصيف مربع
ثلاث مئين قد مررن كواملا ... ها أنا هذا ارتجي مر أربع
فأصبحت مثل النسر طارت فراخه ... إذا رام تطيارا يقال له قع
أخبر أخبار القرون التي مضت ... ولابد يوما أن يطار بمصرعي
قال ابن الإعرابي: أول من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني, وربيعة تقول: بل هو قيس بن خالد بن ذي الجدين, وتميم تقول: بل هو ربيعة بن مخاشن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم, واليمن تقول: بل هو عمرو بن حممه الدوسي.
قال: وكانت حكام تميم في الجاهلية: أكثم بن صيفي, وحاجب بن زرارة, والأقرع بن حابس, وربيعة بن مخاشن, وضمرة بن ضمرة. غير أن ضمرة حكم فأخذ رشوة فعذر.
وحكام قيس: عامر بن الظرب, وغيلان بن سلمة الثقفي. وكانت له ثلاثة أيام: يوم يحكم بين الناس, ويوم ينشد فيه شعره, ويوم ينظر فيه إلى جماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة, فخيره النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فأختار أربعا فصار سنة.
وحكام قريش: عبد المطلب, وأبو طالب, والعاص بن وائل.
وحكيمات العرب: صخر بنت لقمان, وهند بنت الحسن, وجمعة بنت حابس, وابنة عامر بن الظرب الذي يقال له: ذو الحلم.
ومنه قول أبي العلاء المعري:
إذا وصف الطائي بالبخل مادرٌ ... وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السها للشمس أنت خفية ... وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الأرض السماء سفاهة ... وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
فيا موت زر أن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي أن دهرك هازل
فلمح في البيت الأول إلى أربعة أمثال. فإن الطائي وهو حاتم ويضرب به المثل في الجود, فيقال: أجود من حاتم. وقسا يضرب به المثل في البلاغة فيقال: أبلغ من قس. ومادرا يضرب به المثل في البخل, فيقال: أبخل من مادر. وباقلا يضرب به المثل في العي, فيقال: أعيا من باقل.