وتجنيس الإشارة - ويسمى تجنيس الكناية، هو أن يذكر أحد ركني الجناس في اللفظ ويشار إلى الآخر بلفظ يدل عليه من صفة أو عكس أو تصحيف أو لفظ يرادفه أو نحو ذلك. وسبب ورود هذا النوع، أن الشاعر يقصد للمجانسة بين لفظين، فلا يساعده الوزن إبرازهما في اللفظ، فيضمر أحدهما ويشير إلى الثاني بما يدل عليه.
ومثاله قول الشماخ:
وما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقفةٍ حرونِ
يطيف بها الرواة وتتقيهم ... بأوعال معطفة القرونِ
أراد أن يجانس بين أروى اسم محبوبته وبين أروى بمعنى الكثير من أنثى الوعول، فلم يطعه الوزن، فعدل عن ذكرها إلى صفاتها التي تدل عليها. والموفقة المشددة ثم الفاء: التي في يديها حمرة تخالف سائرها. والحرون بفتح الحاء المهملة وضم الراء المهملة: التي لا تبرح أعلى الجبل من الصيد.
وقد صرح أبو العلاء المعري بهذا الجناس في قوله:
أروى النياق كأروى النيق يعصمها ... ضرب يضل به السرحان مبهوتا
ومن ذلك قوله الآخر:
حلقت لحية موسى باسمه ... وبهارون إذا ما قلبا
أراد أن يقول: لحية موسى بموسى، فلم يوافقه الوزن، فاضمر الركن الثاني، وأشار إليه بما يدل عليه وهو قوله: باسمه.
وقول الآخر:
وتحت البراقع مقلوبها ... تدب على ورد خد ندي
فكنى عن العقارب بمقلوب البراقع، ولا شك أن بين اللفظ المصرح به والمكنى عنه تجانسا.
ومنه قول امرأة من عقيل، وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان، وتوجه جماعة يحضرون الإبل:
فما مكثنا ... دام الجمال عليكما
بثهلان إلا أن تشد الأباعر
أرادت أن تجانس بين الجَمال والجِمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية، فأضمرت الركن الثاني، وأشارت إليه بما يدل عليه وهو الأباعر الذي هو مرادف الجِمال.
ومثله قول شرف الدين الحلاوي:
وبدت نظائر ثغره في قرطه ... فتشابها متخالفين فأشكلا
فرأيت تحت البدر سالفة الطلى ... ورأيت فوق الدر مسكرة الطلا
قصد المجانسة بين سالفة الطلى وسلافة الطلا، فعصاه الوزن فعدل إلى قوله: مسكرة الطِلا وهي مرادفة للسلافة. قال ابن حجة: وهذا النوع لا يتفق في الكلام المنثور. انتهى.
قلت: إنما قال ذلك لما تقدم من أن سبب ورود هذا النوع عدم مساعدة الوزن للشاعر على إبراز ركني الجناس في اللفظ، والنثر ليس فيه وزن يمنع من ذلك.
وقد تقدم أن الشيخ عز الدين لم ينظم من الجناس المعنوي إلا هذا القسم، وهو الذي أوجب تأخير بيته عن المناظرة، وهنا محل إثبات بيته وهو:
وكافر نعم الإحسان في عذل ... كظلمة الليل عن المعنوي عمي
الكافر في الأصل اسم فاعل، من كفر الشيء، إذا ستره. وسمي الكافر كافراً لأنه ستر نعمة الله عليه، أي سترها بجحدانه لوجوده، ثم أطلق على ضد المسلم، وكفر النعمة: جحدها وسترها. ويسمى الليل كافراً لأنه يستر المحسوسات.
وما ألطف قول البهاء زهير:
يا ليل طل يا هجر دم ... إني على الحالين صابر
لي فيك أجر مجاهد ... إن صح أن الليل كافر
فالشيخ عز الدين أرد أن يجانس بين كافر النعمة، أي جاحدها، وبين كافر بمعنى الليل، فأظهر أحد الركنين في اللفظ، وهو قوله: وكافر نعم الإحسان، وأضمر الركن الثاني، وأشار إليه بما يدل عليه وهو الظلمة، لأنها مرادفة له، فظهر جناس الإشارة بين (كافر وكافر) . وتعقبه ابن حجة: بأن الوزن ما عصاه حتى عدل إلى المرادف، فلو أراد أن يبرز الركنين لكان الوزن داخلاً تحت طاعته إذا قال:
وكافر نعم الإحسان في عذل ... لكافر الليل عن ذا المعنوي عمي
انتهى.
تتمة - ومن أنواع الجناس: المشوش، وهو ما تجاذبه طرفان من الصنعة، فلا يمكن إطلاق اسم أحدهما عليه، كقولهم: فلان مليح البلاغة، لبيق البراعة، فإنه لو كانت عينا الكلمتين متحدتين مثلاً، لكان جناس تصحيف، أو لاماهما متحدتين لكان جناساً مضارعاً، فلما لم يكن كذلك بقي مذبذباً.
ومثاله في النظم قول أبي فراس بن حمدان:
لطيرتي في الصداع نالت ... فوق منال الصداع مني
وجدت فيه اتفاق سوء ... صدعني مثل صد عني
فلولا تشديد نون عني لكان جناساً مركباً، أو كان (صد عني) كلمة واحدة، لكان جناساً محرفاً.