للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول القاضي أبي أحمد منصور بن محمد الهروي وكتبه إلى صديق حياة بباكورة ورد: وصلت الوردة الفردة لا زال ذكره كرياها عرفا، ودهره كفضلها ظرفا، وحال أوليائه كأغصانها خضرة، ووجوه أعدائه كلونها صفرة، فسرت القلب، وسرت الكرب، وأدت الإرب، وأهدت الطرب، ودعت إلى الرسم المألوف، وأمرت بالمنكر المعروف. وافتنا والليل قد خط رواقه، وحل نطاقه، والصبح قد بسط رداءه، ورفع لواءه، والندى طل، والنسيم مبتل، والمزن منسجم، وثغر الصبح مبتسم، ونحن نبوح بما في الصدور، ونظير بأجنحة السرور، فوضعت الوردة على الرؤوس، وأديرت مع الكؤوس، ونطقت الأوتار، (وصدحت الأطيار) ولكل ذي لا فطنة فتنة، ولكل ذي توبة أوبة، وعند كل لفتة حسرة، ومع كل وردة سكرة.

وقوله أيضاً وكتبه إلى شمس الكفاءة عند عود الوزارة إليه:

الشمس في رأد الضحى ... والبدن في جنح الدجى

والماء في حر الصدى ... والغيث جاد على الثرى

والمزن يضحك في الربى ... والورد جمشه الندى

والصبح تقدمه الصبا ... والعيش في زمن الصبا

والقرب صب على النوى ... والقلب رق مع الهوى

والطرف غازله الكرى ... والصفو باعده القذى

والحلي في ثغر الدمى ... ومنازل لك الحمى

وعهود سعدى باللوى ... والدهر يسعف بالمنى

والبرء في عقب الضنى ... والفقر يطويه الغنى

والبشر يتبعه الندى ... والنشر من يعد البلى

والود في أثر القلى ... والمحل يطرده الحيا

والعتب يمحوه الرضا ... والكف تسمح باللهى

ومذكرات ذوى النهى ... والرأي يعضده الحجى

والجد ساعد واعتلى ... والحظ أدرك ما رجا

بها وبمالها من الأمثال، سارت سوائر الأمثال، فيما يونق النفوس والطباع، ويؤنس الأبصار والأسماع، وأحسن من كل هذا التمثيل أيام الشيخ الجليل، وقد أتاه اسم لم يزل معناه.

فيا حن الزمان وقد تجلى ... بهذا الفخر والإقبال صدره

وكان الدهر يغدر قبل هذا ... فحل وفاؤه وانحل غدره

فقل النصل وافقه نصاب ... واقل في الأفق أشرق فيه بدره

والحمد لله الذي زان الشجر بالثمر، وحلى البرج بالقمر، وآنس العرين بالأسد، وأهدى الروح إلى الجسد. ولم أنس (أدام الله علو مولانا) رسم التصدير، وما يجب من مراعاته على الصغير والكبير. وان التهنئة المرسومة يتهاداها الأكفاء، ويتعاطاها النظراء، فأما الخدم مع الصدور والنجوم التاليات مع الأهلة والبدور، (فالعادة ثمة أن تعذرت الإرادة) ولم تساعد السعادة، فالدعاء موصولا منشورا، والثناء منظوما منثورا، وعلى هذه الجملة عملت، وإلى هذا الجانب عدلت، فأصدت كلمة تتجها الود الصريح، ونسجها الولاء الصحيح

فجاءت تؤدي وجوه الريا ... ض أضحكها العارض الهامع

وليس لها غير عين الرضا ... لديك ذمام ولا شافع

وقول القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني: وقد كان يقال: إن الذهب الإبريز لا تدخل عليه آفة، وان يد الدهر البخيل عنه كافة. وأنتم - يا بني أيوب - آفة نفائس الأموال، كما أن سيوفكم آفة نفوس الأبطال. فلو ملكتم الدهر لأمطيتم لياليه أداهم، وقلدتم أيامه صوارم، ووهبتم شموسه وبدوره دنانير ودراهم، ووافتكم أعراس تم فيها على الأموال مآتم، والجود خاتم في أيديكم ونفس حاتم في نقش ذلك الخاتم.

وقوله أيضاً: سرنا وروضة السماء فيها الزهرة زهر، ومن المجرة نهر، والليل كالبنفسج تخلله من النجوم أتاح، وكالزنج شمله من الرياح جراح، والكواكب سائرات المراكب لا معرس لها دون الصباح، وسهيل كالظمآن تدلى إلى الأرض ليشرب، والكريم أنف المقام بدار الذل فتغرب، فكأنه قبس تتلاعب به الرياح، أو زينة قدمها بين يدي الصباح، والجوزاء كالسرادق المضروب، أو الهودج المنصوب، أو الشجرة المنورة، أو الحبرة المصورة، والثريا قد هم عنقودها أن يتدلى، وجيش الليل قد هم أن يتولى.

وقوله أيضاً من رسالة يصف فيها قلعة نجم: هي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، وهامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان لها الهلال قلامة.

<<  <   >  >>