للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك

ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبد الصمد بن علي الطبري، يصف متنزهاً: لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس؛ والشمال ندية الأنفاس، والروض مخضل الأزار، والغيم منحل الأزرار.

كأن السماء تجلو عروساً ... وكأنا من قطره في نثارِ

والربي رابية الأرجاء، شاكرة صنيع الأنواء.

ذهب حيثما ذهبنا ودر ... حيث درنا وفضة بالفضاءِ

والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً، والصحارى قد لبست من نسيج الربيع برداً قشيبا. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق، والأباريق تنهل مثل ذوب العقيق، وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق، وسقيط الطل يعبث بالأغصان عبث الدل بالغصون الرشاق والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.

إذا فض عنه الختم فاح بنفسجاً ... وأشق مصباحاً ونور عصفرا

وأما النظم فمن محاسنه قول ابن خفاجة الأندلسي:

وقد جال من جون الغمامة أدهم ... له البرق سوط والشمال عنان

وضمخ ردع الشمس نحر حديقة ... عليه من الطل السقيط جمان

ونمت بأسرار الرياض خميلة ... لها النور ثغر والنسيم لسان

وقوله أيضاً:

وما الأنس إلا في مجاج زجاجة وما العيش إلى في صرير سرير

وإني وإن جئت المشيب لمولع ... بطرة ظل فوق وجه غدير

وقوله أيضاً وهي من محاسن قصائده:

أما والتفات الروض عن أزرق النهر ... وأشرف جيد الغصن عن حلية الزهر

وقد نسيت ريح النعامة فنبهت ... عيون الندامى تحت ريحانة الفجر

وخدر فتاة قد طرقت وإنما ... أبحت به وكر الحمامة للصقر

وقدٍ خلعت البرد عنه وإنما ... نشرت به طي الصحيفة عن سطر

لقد جبت دون الحي كل تنوفة ... يحوم بها نسر السماك على وكر

وخضت ظلام الليل يسود فحمه ... ودست عرين الليث ينظر عن جمر

وجئت ديار الحي والليل مطرف ... منمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر

أشيم بها برق الحديد وربما ... عثرت بأطراف المثقفة السمر

فلم ألق إلا صعدة فوق لامة ... فقلت قضي قد أطل على نهر

ولا شمت إلا غرة فوق أشقر ... فقلت حباب يستدير على خمر

ودون طروق الحي خوضة فتكةٍ ... مورسة السربال دامية الظفر

تطلع في فرع من النقع أسود ... وتسفر عن خد من السف محمر

فسرت وقلب الليل يخفق غيرة ... هناك وعين النجم تنظر عن شزر

فطار إليها بي جناح صبابة ... فطار بها عني جناح من الذعر

فقلت رويداً لا تراعي فإننا ... لنطوي ضلوع الليل منا على سر

وسكنت من نفس تجيش مروعة ... ومسحت عن عطفٍ تمايل مزور

ومزقت جيب الليل عنها وإنما ... رفعت جناح الستر عن بيضة الخدر

وقبلت ما بين المحيا إلى الطلى ... وعانقت ما بين التراقي إلى الخصر

وأطرب سجع الحلي من خيزرانة ... تميل بها الشبيبة والسكر

غزالية الألحاظ ريمية الظلى ... مدامية الألمى حبابية الثغر

تلاقي نسيبي في هواها وأدمعي ... فمن لؤلؤ نظم ومن لؤلؤ نثر

وقد جعلت ليلاً علينا يد الهوى ... رداء عناق مزقته يد الفجر

ولما انجلى ضوء الصباح كأنه ... جناح لواء جددته يد النصر

ولاح مشيب النور في لملم الربى ... ونم على ذيل الصبا نفس الزهر

صددت ودون الحي ستر غمامة ... يشف كما شف الرماد عن الجمر

وقوله:

وكمامة حسر الصباح قناعها ... عن صفحة تندى من الأنهارِ

في أبطح رضعت ثغور إقاحة ... أخلاف كل غمامة مدرار

نثرت بحجر الأرض في يد الصبا ... درر الندى ودراهم الأزهار

فحللت حيث الماء صفحة ضاحك ... جذل وحيث الشط بدء عذار

والريح تنفض بكرة لمم الربى ... والطل ينضح أوجه الأشجار

متقسم الألحاظ بين محاسن ... من ردف رابية وخصر قرار

وأراكة سجع الهديل بفرعها ... والصبح يسفر عن جبين نهار

هزت له أعطافها ولربما ... خلعت عليه ملاءة الأنوار

وقول محي الدين بن قرناص:

قد أتينا الرياض حين تجلت ... وتحلت من الندى بجمال

<<  <   >  >>