ورأينا خواتم الزهر لما ... سقطت من أنامل الأغصان
وقوله أيضاً:
لقد عقد الربيع نطاق زهر ... يضم لغصنه خصراً نحيلا
ودب مع العشي عذار ظل ... على نهر حكى خداً أسيلا
وقول الآخر:
مجرة جدول وسماء آس ... وأنجم نرجس وشموس وردِ
ورعد مثالث وسحاب كاس ... وبرق مدامة وضباب ند
وقول أمين الدين القواس:
أصغي إلى قول العذول بجملتي ... مستفهماً عنكم بغير ملالِ
لتلقطي زهرات ورد حديثكم ... من بين شوك ملامة العذال
وقول ابن قلاقس:
سرى وجبين الجو بالطل يرشح ... وثوب الغوادي بالبروق موشحُ
وفي طي أبراد النسيم خميلة ... بأعطافها نور المنى يتفتح
تضاحك في مسرى المعاطف عارضاً ... مدامعه في وجنة الروض تسفح
وتوري به كف الصبا زند بارق ... شرارته في فحمة الليل تقدح
باكر إلى اللذات، واركب لها ... نجائب اللهو ذوات المراح
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح
وقول مجير الدين بن تميم:
وليلة بت أسقي في غياهبها ... راحا تسل شبابي من يد الهرمِ
ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم
وقول ابن الساعاتي:
ولولا رواة بل وشاة تخرصوا ... أحاديث ليست في سماع ولا نقلِ
لثمنا ثغور النور في شنب الندى ... خلال جبين النهر في طرر الظل
وقول أبي الحسن المخريطي:
ألا حبذا نوح الحمامة سحرة ... وقد شق جيب الليل عن لبة الفجرِ
وسأل نجيع البرق من ثغرة الدجى ... وخمش ثكل الليل من صفحة البدر
وأعول ناعي الرعد يندب صارخاً ... ويذرف في خد الثرى دمعة القطر
فما كان إلا أن جلا الصبح سنه ... تبسم في خد الثرى دمعة القطر
وجر نسيم الريح ردن غلالة ... تمسح دمع الطل عن صفحة الدهر
فدونكها عذراء زفت لشربها ... وليس لها غير الزجاجة من خدر
فأحسن من ثغر تبسم أشنب ... دموع حباب الماء في وجنة الخمر
بحيث غناء الرعد يطرب والحيا ... يسقي وخوط البان يرقص من سكر
وعزم المعتمد بن عباد على إرسال حظاياه من قرطبة إلى أشبيلية، فخرج معهن يشيعهن، فسايرهن من أول الليل إلى الصبح، فودعهن ورجع فأنشد:
سايرتهم والليل عقل ثوبه ... حتى تبدى للنواظر معلما
فوقفت ثم مودعاً وتسلمت ... مني يد الأصباح تلك الأنجما
كان الوزير أبو جعفر أحمد بن طلحة الكاتب المغربي لا يخلي أكثر شعره من بديع الاستعارة، وكان شديد التهور كثير الطيش، ذاهباً بنفسه كل مذهب. قال ابن سعيد صاحب القدح المعلى: سمعته مرة وهو في محفل يقول: تقيمون القيامة لحبيب والبحتري والمتنبي، وفي عصركم من يهتدي إلى ما لم يهتدوا إليه، فأهوى له شخص له قحة وإقدام فقال: يا أبا جعفر فأرنا برهان ذلك، ما أظنك تعني إلا نفسك. قال: نعم، ولم لا، وأنا الذي أقول ما لم يتنبه له متقدم ولا يهتدي لمثله متأخراً:
يا هل ترى أظرف من يومنا ... قلد جيد الأفق طوق العقيق
وأنطق الورق بعيدانها ... مرقصة كل قضيب وريق
والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكؤوس الشقيق
فلم ينصفوه في الإحسان، وردوه من الغيظ إلى أضيق مكان. فقلت له: يا سيدي هذا هو السحر الحلال، فبالله إلا مازدتني من هذا النمط.
فأنشد:
أدرها فالسماء بدت عروساً ... مضمخة الملابس بالغوالي
وخد الروض أحمره صقيل ... وجفن النهر كحل بالظلال
وجيد الغصن يشرق في لآلٍ ... تضيء بهن أكناف الليالي
فقلت زد وعد: فعاد والارتياح قد ملك عطفه، والتيه قد رفع أنفه وأنشد:
لله نهر عندما زرته ... عاين طرفي منه سحراً حلال
إذا أصبح الظل به ليلة ... وجال فيه الغصن شبه الخيال
فقلت زد فأنشد:
فلما ماج بحر الليل بيني ... وبينكم وقد جددت ذكراً
أراد لقاءكم إنسان عيني ... فمد له المنام عليه جسراً
فقلت له أيه فقال:
ولما أن رأى إنسان عيني ... بحصن الخد منه غريق ماءِ
أقام له العذار عليه جسراً ... كما مد الظلام على الضياء