ماذا عليك ... دفنت قلبك في الثرى
من أن أكون خليفة المسواك
أيجوز عندك أن يكون متيماً ... دنفاً بحبك دون عود أراك
وقو مهيار الديلمي:
أنذرتني أم سعد أن سعداً ... لم يزل ينهد لي بالشر نهدا
ما على قومك إن صار لهم ... أحد الأحرار من أجلك عبدا
فيه التفاتان، أحدهما من الغيبة إلى الخطاب، والثاني من التكلم إلى الغيبة وهو ما نحن فيه لأن الأصل (ما على قومها إن صرت لهم عبدا) والنكتة في العدول ظاهرة.
ومنها قول كثير عزة وهو من مختار كلامه:
لقد هجرت سعدي وطال صدودها ... وعاود عيني دمعها وسهودها
وكنت إذا ما جئت سعدي بأرضها ... أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة تعيدها
منعمة لم تلق بؤساً وشقوة ... هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها
هي الخلد ما دامت لا هلك جارة ... وهل دام في الدنيا لنفس خلودها
فتلك التي أصفيتها بمودتي ... وليداً ولما تستبن لي نهودها
وقد قتلت نفساً بغير بمودتي ... وليس لها عقل ولا من يقيدها
الأصل (وقد قتلتني) فعدل عن ذلك لتهويل أمره تلميحاً إلى قوله تعالى: (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) ، فلو استمر على التكلم لفاتت هذه النكتة.
وقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي:
أحيي هواه وهواه قاتلي ... ما أربح الشامي لو أودى بهِ
وحشي قلبي ضل عنه ريمه ... فظل يفلي البيد في طلابه
عجلان ما أخنى عليه قلبه=لو أنه في كفه دحى به الخامس - الالتفات من الخطاب إلى التكلم، ولم يقع في القرآن، قال الحافظ السيوطي في الإتقان: ومثل له بعضهم بقوله: (فاقض ما أنت قاضٍ) ثم قال: (إنا آمنا بربنا) وهذا المثال لا يصح، لأن شرط الالتفاف أن يكون المراد به واحداً. انتهى.
ومن أمثلته في الشعر قول علقمة بن عبدة:
طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حال مشيبُ
تكلفني ليلى وقد شط وليها ... وعاد عواد بيننا وخطوب
فالتفت من الخطاب في (طحابك) إلى التكلم في (تكلفني) ، وطحابك أي ذهب بك. وشط وليها، أي بعد قربها وعهدها.
وقول القطامي:
نأتك بليلى نية لم تقارب ... وما حب ليلى من فؤادي بذاهبِ
وقول أبي فراس بن حمدان:
وقوفك بالديار عليك عار ... وقد رد الشباب المستعارُ
أبعد الأربعين محرمات ... تمادٍ في الصبابة واغترارُ
نزعت عن الصبا إلا بقايا ... يحقرها على الشيب الوقارُ
وطار الليل بي ولرب دهر ... نعمت به لياليه قصار
وما أحسن قوله بعده:
وندماني السريع إلى ندائي ... على عجلٍ وأقداحي الكبارُ
عسفت بها عواري الليالي ... أحق الخيل بالركض المعارُ
وكم من ليلة لم أروَ منها ... حييت لها وأرقني أدكار
قضاني الدين ما طله وأوفى ... إلي بها الفؤاد المستطار
فبت أعل خمراً من رضاب ... لها سكر وليس لها خمار
إلى أن رق ثوب الليل عنا ... وقالت قم فقد برد السوار
وولت تسرق اللحظات نحوي ... بملتفت كما التفت الصوار
دنا ذاك الصباح فلست أدري ... أشوق كان منه أم ضرار
فقد عاديت ضوء الصبح حتى=لطرفي عن طالعه أزورارُ ومنها قولي وهو من أوائل نظمي:
ذاك الحجاز وهذه كثبانه ... فاحفظ فؤادك أن رنت غزلانهُ
واسفح دموعك إن مرت بسفحه ... شغفاً به إن الدموع جمانه
وسل المنازل عن هوى قضيته ... هل عائد ذاك الهوى وزمانه
لهفي على ذاك الزمان وأهله ... وسقاه من صوب الحيا هتانه
إذا كان حبل الوصل متصلاً بنا ... والعيش مورقة به أغصانه
وإذ المعاهد مشرقات بالمنى ... والربع مغنى لم تبن سكانه
وقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي:
أجدك شايعت الحنين المرجعا ... وغازلت غزلاناً على الخيف رتعا
وطالعت أقماراً على وجرة النقا ... وقد كنت أنهى العين أن تتطلعا
وما ألطف قوله بعده:
ولم أر مثل الغيد أعصى على الهوى ... ولا مثل قلبي للصبابة أطوعا