والهون في ظل الهوينا كامن ... وجلالة الأخطار في الأخطار.
فإن جلالة الأخطار وإن لم تكن مقابلة للهون، لكنها لازمة للعز المقابل للهون.
وقول الآخر:
وجهه غاية الجمال ولكن ... فعله غاية لكل قبيح.
فإن ضد الجمال الدمامة، لكنها لما كانت تستلزم القبح طابقه بينه وبين الجمال.
وكذا قول الطغرائي:
وشان صدقك عند الناس كذبهم ... وهل يطابق معوج بمعتدل.
لأن المعوج إنما يطابقه المستقيم، والمعتدل يطابقه المائل، لكن الاعتدال لازم للمستقيم المطابق للمعوج.
وأما قول أبي الطيب:
لمن تطلب الدنيا إذ لم ترد بها ... سرور محب أو إساءة مجرم.
فاتفقوا على أنه طباقه بين المحب والمجرم فاسد، لأن المجرم ليس ضد المحب، وإنما ضده المبغض، وأما طباقه بين السرور والإساءة، فقد يقال من الملحق بالطباق، لان من أحسن إلى شخص فقد سره.
وفساد المطابقة أمر محذور.
وعد منه ابن الأثير في كفاية الطلب قول زهير:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل.
قال: فإن الحلم ليس بضد الجهل والخنا، وإنما ضده السفه والطيش، وضد الجهل العلم أو المعرفة وما شاكلها. انتهى.
ووقع هذا للتهامي في قوله:
ولربما اعتضد الحليم بجاهل ... لا خير في يمنى بغير يسار.
على أنه ما جهل المطابقة بين الجهل والعلم في قوله:
ومن الرجال معالم ومجاهل ... ومن النجوم غوامض ودراري.
وممن طابق بين السفه والحلم، والجهل والعلم، أبو تمام في قوله:
سفيه الرمح جاهله إذا ما ... بدى فضل السفيه على الحليم.
وقوله:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ... ويكدي الفتى من دهره وهو عالم.
وقال الشريف الرضي:
خطط يجبن المش......جع أو يسفهن الحليما.
وقال:
رأيت المال يرفع من سفيه ... وعدم المال ينقص من حليم.
ومقابلة النقص بالرفعة من الملحق بالطباق للزومه الضعة المقابلة لها.
وقال أيضاً:
في رفقة لا يستطيل سفيهها ... أبدا ولا يدري المقال حليمها.
قال الصفدي: وعدم المطابقة في شعر أبي الطيب كثير، من ذلك قوله:
ولكل عين قرة في قربه ... حتى كأن مغيبه الأقذاء
فإن القرة ضدها السخنة، والقذى ضد الجلاء.
قوله أيضاً:
ولم يعظم لنقص كان فيه ... ولم يزل الأمير ولن يزالا
فإن العظم ضد الحقارة، والنقص ضد الكمال، فلو قال: ولم يكمل لنقص كان فيه، كان أصنع. انتهى.
قلت: ويجاب عنه أنه من الملحق بالطباق لاستلزام النقص الحقارة.
قال: وكذا قوله:
وإنه المشير عليك في بضلةٍ ... والحر ممتحن بأولاد الزنا.
فإن الحر ضده اللئيم. انتهى.
ومنه قوله:
رأيتك في الذين أرى ملوكا ... كأنك مستقيم في محال.
حكى أبو الحسن الواحدي في شرحه قال: قال أبو الحسن محمد بن أحمد المعروف بالشاعر المغربي: كان سيف الدولة يسر بمن يحفظ شعر المتنبي، فأنشدته يوما (رأيتك في الذين أرى ملوكا) وكان أبو الطيب حاضرا، فقلت: هذا لبيت والذي يتلوه لم يسبق إليه، فقال سيف الدولة: كذا حدثني الثقة، أن أبا الفضل محمد بن الحسين قال كما قلت.
فأعجب المتنبي واهتز، فأردت أن أحركه فقلت: إلا إن في أحدهما عيبا في الصنعة، فالتفت إلي التفات حنق وقال: ما هو؟ فقلت: قولك: مستقيم في محال، والمحال ليس ضد الاستقامة، وإنما ضدها الاعوجاج، فقال الأمير: هب أن القصيدة جيمية وقلت: كأنك مستقيم في اعوجاج، فكيف تعمل في تغيير البيت الثاني وهو:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن البيض بعد دم الدجاج.
فضحك وضرب بيده وقال: حسن مع هذه السرعة، إلا أن يصلح أن يباع في سوق الطير، لا مما يمدح به أمثالنا يا أبا الحسن. انتهى.
تنبيه- جعل الخطيب القزويني في الإيضاح والتلخيص، من أنواع المطابقة التدبيج ومثل له.
بقول أبي تمام:
تردى ثياب الموت حمرا فما أتى ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر.
ومنع بعضهم كون مطلق التدبيج من الطباق، وقال: ليس في الألوان ما تحصل به المطابقة غير البياض والسواد، لأنهما ضدان بخلاف غيرهما.
قال ابن الأثير: وقد زعم بعضهم أن أفضل مطابقة وقعت قول ابن كلثوم: