فهرسته كَانَت قراءتي كلهَا أَو جلها فتحا ربانيا وَرزقت وَللَّه الْحَمد قريحة وقادة فَكنت بِأَدْنَى سَماع يَنْفَعنِي الله فقد أسمع بعض الْكتاب فَيفتح الله عَليّ فِي جَمِيعه فتحا ظَاهرا وأبلغ فِيهِ مَا لم يبلغهُ من سمعته مِنْهُ وَرب كتاب لم أسمعهُ أصلا غير أَن سَماع الْبَعْض فِي كل فن صَار مبدأ لِلْفَتْحِ وتتميما لحكمة الله فِي سنة الْأَخْذ عَن الْمَشَايِخ وَلَا تستوحش مِمَّا ذَكرْنَاهُ ظنا مِنْك أَن الرِّبْح أبدا يكون على قدر رَأس المَال كلا فقد يبلغ الدِّرْهَم الْوَاحِد ألف مِثْقَال وَمَا ذَلِك على الله بعزيز
وَكَانَ مُعظم قِرَاءَته بالزاوية الدلائية لم يزل مُقيما بهَا عاكفا على بَث الْعلم ونشره إِلَى أَن استولى عَلَيْهَا الْمولى الرشيد بن الشريف فنقله إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ خرج إِلَى الْبَادِيَة فاستوطن بقبيلته إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ متضلعا من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية حَتَّى قَالَ فِي تأليفه الْمُسَمّى بالْقَوْل الْفَصْل فِي الْفرق بَين الْخَاصَّة والفصل أَنه بلغ دَرَجَة الشَّيْخ سعد الدّين التَّفْتَازَانِيّ وَالسَّيِّد الْجِرْجَانِيّ وأضرابهما وَسَأَلَهُ يَوْمًا سَائل بِمَجْلِس درسه فَقَالَ لَهُ اسْمَع مَا لَا تسمعه من إِنْسَان وَلَا تَجدهُ محررا فِي ديوَان وَلَا ترَاهُ مسطرا ببنان وَإِنَّمَا هُوَ من مواهب الرَّحْمَن وَلما دخل مراكش تصدر بهَا لإقراء علم التَّفْسِير بِجَامِع الْأَشْرَاف فَمَكثَ فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة قَرِيبا من ثَلَاثَة أشهر وَهُوَ يُبْدِي كل يَوْم أسلوبا غَرِيبا وتحقيقا عجيبا فَعجب النَّاس من غزارة مادته مَعَ أَنه رُبمَا بَات فِي ضريح بعض الْأَوْلِيَاء وَالنَّاس مَعَه فَلَا يطالع كتابا وَلَا يُرَاجع مؤلفا فَإِذا أصبح وَجلسَ على الْكُرْسِيّ أطلق لِسَانه بِمَا يبهر الْعُقُول وَكَانَ الشّعْر عِنْده أسهل من النَّفس وشعره كُله حكم وأمثال كشعر الْعَرَب القدماء وقصيدته الدالية فِي شَيْخه ابْن نَاصِر دَالَّة على امتداد بَاعه ورسوخ قدمه فِي المعارف الْفُنُون وَللَّه در الإِمَام أبي سَالم العياشي إِذْ قَالَ
(من فَاتَهُ الْحسن الْبَصْرِيّ يَصْحَبهُ ... فليصحب الْحسن اليوسي يَكْفِيهِ)
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ آخر الْعلمَاء الراسخين بل خَاتِمَة الفحول من الرِّجَال الْمُحَقِّقين حَتَّى كَانَ بعض الشُّيُوخ يَقُول هُوَ المجدد على رَأس هَذِه الْمِائَة