وَلما تمت بيعَته كتب إِلَى الْمُوَحِّدين الَّذين بمراكش يَدعُوهُم إِلَى بيعَته وَيُعلمهُم باجتماع أهل الأندلس والموحدين الَّذين بهَا عَلَيْهِ وَوَعدهمْ فِي ذَلِك ومناهم فَكَانَ مِنْهُم بعض توقف ثمَّ أجمع رَأْيهمْ على مبايعته وخلع أَخِيه الْعَادِل فَدَخَلُوا عَلَيْهِ قصره وسألوه أَن يخلع نَفسه فَامْتنعَ فَوَثَبُوا عَلَيْهِ ودسوا رَأسه فِي خصة مَاء كَانَت هُنَاكَ وَقَالُوا لَهُ لَا نُفَارِقك أَو تشهد على نَفسك بِالْخلْعِ فَقَالَ اصنعوا مَا بدا لكم وَالله لَا أَمُوت إِلَّا أَمِير الْمُؤمنِينَ فوضعوا عمَامَته فِي عُنُقه وخنقوه وَرَأسه فِي الخصة حَتَّى فاظ وَكَانَ خيرا فَاضلا رَحمَه الله وَكَانَت وَفَاته فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَتَبُوا بيعتهم إِلَى أبي الْعَلَاء الْمَأْمُون وبعثوا بهَا إِلَيْهِ مَعَ الْبَرِيد ثمَّ بدا لَهُم فِي بيعَة الْمَأْمُون بعد انْفِصَال الْبَرِيد عَنْهُم فنكثوها وَبَايَعُوا يحيى بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور واضطربت الْأَحْوَال بالمغرب والأندلس وطما عباب الْفِتَن وَكَانَ مَا نذكرهُ
الْخَبَر عَن دولة الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ومزاحمة يحيى بن النَّاصِر لَهُ
كَانَ الْمَأْمُون وَهُوَ أَبُو الْعَلَاء إِدْرِيس بن يَعْقُوب الْمَنْصُور لما بلغه انْتِقَاض الْمُوَحِّدين وَالْعرب بالحضرة على أَخِيه وتلاشي أمره دَعَا لنَفسِهِ بإشبيلية وَبَايَعَهُ أهل الأندلس والموحدون بالحضرة كَمَا قُلْنَا ثمَّ لما انْفَصل الْبَرِيد ببيعته من الحضرة نَدم الموحدون على ذَلِك لما يعلموه من شهامته وصرامته وتخلقه بأخلاق الْحجَّاج بن يُوسُف وتخوفوا أَن يَأْخُذهُمْ بِدَم عَمه عبد المخلوع ثمَّ أَخِيه عبد الله الْعَادِل فاتفق رَأْيهمْ على مبايعة يحيى بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور وَهُوَ شَاب غر كَمَا يقل عذاره وَإِنَّمَا وَقع اختيارهم عَلَيْهِ ليَكُون أطوع لَهُم فَإِن سنه يَوْمئِذٍ كَانَت سِتَّة عشر سنة