ولي عَهده وَجَاء هُوَ على ساقته وَسَارُوا على هَذِه التعبية وَلما انْتَهوا إِلَى وَادي ملوية اتَّصل بهم الْخَبَر أَن أَبَا عَليّ يُرِيد أَن يبيتهم فأسهروا ليلتهم وَبَاتُوا على ظُهُور خيلهم وَبعد مُضِيّ جُزْء من اللَّيْل طرقهم أَبُو عَليّ فِي جموعه فَكَانَت الدبرة عَلَيْهِ وفل عسكره وَارْتَحَلُوا من الْغَد فِي أَثَره وَكَانَ قد سلك جبل درن فافترقت جُنُوده فِي أوعاره ولحقهم من المشاق مَا يفوت الْوَصْف حَتَّى ترجل الْأَمِير أَبُو عَليّ عَن فرسه وسعى على قَدَمَيْهِ وخلص من ورطة ذَلِك الْجَبَل بعد عصب الرِّيق وَلحق بسجلماسة ومهد السُّلْطَان أَبُو سعيد نواحي مراكش وَعقد عَلَيْهَا لمُوسَى بن عَليّ الهنتاتي فَعظم غناؤه فِي ذَلِك واضطلاعه وامتدت أَيَّام ولَايَته وارتحل السُّلْطَان إِلَى سجلماسة فدافعه الْأَمِير أَبُو عَليّ بالخضوع وَرغب إِلَيْهِ فِي الصفح وَالرِّضَا وَالْعود إِلَى السّلم فَأَجَابَهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك لما كَانَ قد شغفه من حبه فقد كَانَ يُؤثر عَنهُ من ذَلِك غرائب وَرجع إِلَى الحضرة وَأقَام الْأَمِير أَبُو عَليّ بمكانه وَمن مملكه الْقبْلَة إِلَى أَن هلك السُّلْطَان أَبُو سعيد وتغلب عَلَيْهِ أَخُوهُ السُّلْطَان أَبُو الْحسن كَمَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله
بِنَاء مدارس الْعلم بِحَضْرَة فاس حرسها الله
قد تقدم لنا أَن السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق رَحمَه الله كَانَ قد بنى مدرسته الَّتِي بفاس مَعَ غَيرهَا مِمَّا سبق التَّنْبِيه عَلَيْهِ ووقف عَلَيْهَا كتب الْعلم الَّتِي بعث بهَا إِلَيْهِ الطاغية سانجة عِنْد عقد الصُّلْح مَعَه ووقف عَلَيْهَا غير ذَلِك واقتفى أَثَره فِي هَذِه المنقبة الشَّرِيفَة بنوه من بعده فاستكثروا من بِنَاء الْمدَارِس العلمية والزوايا والربط ووقفوا عَلَيْهَا الْأَوْقَاف المغلة وأجروا على الطّلبَة بهَا الجرايات الكافية فأمسكوا بِسَبَب ذَلِك من رَمق الْعلم وأحيوا مراسمه وَأخذُوا بضبعيه جزاهم الله عَن نيتهم الصَّالِحَة خيرا
وَلما كَانَت سنة عشْرين وَسَبْعمائة أَمر السُّلْطَان أَبُو سعيد رَحمَه الله بِبِنَاء الْمدرسَة الَّتِي بفاس الْجَدِيد فبنيت أتقن بِنَاء وَأحسنه ورتب فِيهَا الطّلبَة لقِرَاءَة