وَجلسَ ببرج الذَّهَب مَقْعَده من ساحة الْبَلَد وَحمل الْحسن بن عمر على جمل فطيف بِهِ بَين تِلْكَ الجموع وَلما قرب من مجْلِس السُّلْطَان أَوْمَأ إِلَى تَقْبِيل الأَرْض من فَوق جمله ثمَّ ركب السُّلْطَان إِلَى قصره وانفض الْجمع وَقد شهر الْحسن بن عمر وَأَصْحَابه فصاروا عِبْرَة لمن اعْتبر
وَلما دخل السُّلْطَان قصره جلس على كرسيه واستدعى خاصته وجلساءه وأحضر ابْن عمر فوبخه وَقرر عَلَيْهِ ذنُوبه فتلوى بالمعاذير وفزع إِلَى الْإِنْكَار قَالَ ابْن خلدون وَحَضَرت هَذَا الْمجْلس يَوْمئِذٍ فِيمَن حَضَره من الْخَاصَّة فَكَانَ مقَاما تسيل فِيهِ الْعُيُون رَحْمَة وعبرة ثمَّ أَمر بِهِ السُّلْطَان فسحب على وَجهه ونتفت لحيته وَضرب بالعصى وثل إِلَى محبسه ثمَّ قتل بعد لَيَال قعصا بِالرِّمَاحِ خَارج الْبَلَد وَنصب شلوه بِبَاب المحروق رَحمَه الله تَعَالَى
نهوض السُّلْطَان أبي سَالم إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا
لما استوسق للسُّلْطَان أبي سَالم ملك الْمغرب ومحا أثر الْخَوَارِج مِنْهُ سمت همته إِلَى تملك تلمسان كَمَا كَانَ لِأَبِيهِ وأخيه من قبل وأكد عزمه على ذَلِك مَا كَانَ من فرار عبد الله بن مُسلم الزرد إِلَى عاملهم على درعة إِلَيْهَا فأجمع السُّلْطَان أَبُو سَالم النهوض إِلَيْهَا وعسكر بِظَاهِر فاس الْجَدِيد منتصف سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلما توافت لَدَيْهِ الحشود وتكاملت بسدته الْجنُود ارتحل إِلَى تلمسان
واتصل خبر نهوضه بسلطانها أبي حمو بن يُوسُف الزياني ووزيره عبد الله بن مُسلم الزردالي فَنَادوا فِي الْعَرَب من بني عَامر بن زغبة وَبني معقل فأجابوهم كَافَّة الأشرذمة قَليلَة من الأحلاف ثمَّ خرج أَبُو حمو وشيعته عَن تلمسان إِلَى الصَّحرَاء والتفت عَلَيْهِ الْعَرَب بحللها
وَلما دخل السُّلْطَان أَبُو سَالم تلمسان وَاسْتولى عَلَيْهَا خَالفه أَبُو حمو فِي عربه إِلَى الْمغرب فنزلوا آكرسيف ووطاط وبلاد ملوية وحطموا زروعها وانتسفوا بركتها وخربوا عمرانها وَبلغ السُّلْطَان أَبَا سَالم مَا كَانَ من إفسادهم فأهمه أَمر الْمغرب وَكَانَ فِي جملَته من بني زيان مُحَمَّد بن عُثْمَان ابْن