وفادة زيري بن عَطِيَّة على الْمَنْصُور بن أبي عَامر بالأندلس
لما كَانَت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة استدعى الْمَنْصُور بن أبي عَامر زيري بن عَطِيَّة أَن يقدم عَلَيْهِ بقرطبة فاستخلف على الْمغرب وَلَده الْمعز بن زيري وَأمره بسكنى تلمسان واستخلف على عدوة الأندلس من فاس عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم بن ثَعْلَبَة وعَلى عدوة الْقرَوِيين مِنْهَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَليّ بن قشوش وَولى قَضَاء المدينتين الْفَقِيه الْفَاضِل أَبَا مُحَمَّد قَاسم بن عَامر الْأَزْدِيّ وَسَار إِلَى الأندلس وَقدم بَين يَدَيْهِ هَدِيَّة عَظِيمَة من جُمْلَتهَا طَائِر فصيح يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ والبربرية ودابة من دَوَاب الْمسك ومهاة وحشية تشبه الْفرس وحيوانات غَرِيبَة وأسدان عظيمان فِي قفصين من حَدِيد وَشَيْء كثير من التَّمْر فِي غَايَة الْكبر الْوَاحِدَة مِنْهُ تشبه الخيارة عظما وَحمل مَعَه من قومه وَعبيدَة ثَلَاثمِائَة فَارس وثلاثمائة راجل فاحتفل الْمَنْصُور لقدومه احتفالا عَظِيما وبرز الْخَاصَّة والعامة للقائه وأنزله بقصر جَعْفَر الْحَاجِب وَتوسع لَهُ فِي الجرايات وَالْإِكْرَام ولقبه باسم الْوَزير وأفاض عَلَيْهِ أَمْوَالًا جسيمة وخلعا نفيسة وَعجل بسراحه إِلَى عمله بعد أَن جدد لَهُ عَهده على الْمغرب وعَلى جَمِيع مَا غلب عَلَيْهِ مِنْهُ فَعبر الْبَحْر واحتل بِمَدِينَة طنجة فَلَمَّا اسْتَقر بهَا وضع يَده على رَأسه وَقَالَ الْآن علمت أَنَّك لي فاستقل مَا وَصله بِهِ الْمَنْصُور واستقبح اسْم الوزارة الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ وَلَقَد خاطبه بِهِ بعض رِجَاله فَنَهَاهُ عَن ذَلِك وَقَالَ وَزِير من يالكع لَا وَالله إِلَّا أَمِير ابْن أَمِير وَاعجَبا لِابْنِ أبي عَامر ومخرقته لِأَن تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ وَالله لَو كَانَ بالأندلس رجل مَا تَركه على حَاله وَإِن لَهُ منا ليوما وَبَلغت مقَالَته الْمَنْصُور فصر عَلَيْهَا أُذُنه وَزَاد فِي اصطناعه إِلَى أَن كَانَ مَا نذكرهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute