لما توفّي الْمهْدي فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم تولى عبد الْمُؤمن تَجْهِيزه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ دَفنه بمسجده الملاصق لداره من تينملل
وَلما فرغ الموحدون من أمره تشوف كل وَاحِد من الْعشْرَة إِلَى الْخلَافَة بعده وَكَانُوا من قبائل شَتَّى وأحبت كل قَبيلَة أَن يكون الْخَلِيفَة مِنْهَا وَأَن لَا يتَوَلَّى عَلَيْهَا من هُوَ من غَيرهَا فتنافسوا فِي ذَلِك فَاجْتمع الْعشْرَة وَالْخَمْسُونَ وَتَآمَرُوا فِيمَا بَينهم وخافوا على أنفسهم النِّفَاق وَأَن تفْسد نياتهم وتفترق جَمَاعَتهمْ فاتفقوا على خلَافَة عبد الْمُؤمن لكَونه كَانَ غَرِيبا بَين أظهرهم لَيْسَ من المصامدة لِأَن المصامدة من البرانس وكومية قَبيلَة عبد الْمُؤمن من البتر فقدموه لذَلِك مَعَ مَا كَانُوا يرَوْنَ من ميل الْمهْدي إِلَيْهِ وإيثاره على غَيره فتم لَهُ الْأَمر
وَقَالَ ابْن خلدون لما مَاتَ الْمهْدي خشِي أَصْحَابه من افْتِرَاق الْكَلِمَة وَمَا يتَوَقَّع من سخط المصامدة لولاية عبد الْمُؤمن لكَونه من غير جلدتهم فأرجؤوا الْأَمر إِلَى أَن تخالط بشاشة الدعْوَة قُلُوبهم وكتموا مَوته لثلاث سِنِين يموهون فِيهَا بمرضه ويقيمون سنته فِي الصَّلَاة والحزب الرَّاتِب وَيدخل أَصْحَابه إِلَى بَيته كَأَنَّهُ اختصهم بعيادته فَيَجْلِسُونَ حوالي قَبره ويتفاوضون فِي شؤونهم ثمَّ يخرجُون لإنفاذ مَا أبرموه ويتولى ذَلِك عبد الْمُؤمن حَتَّى إِذا استحكم أَمرهم وتمكنت الدعْوَة من كافتهم كشفوا القناع عَن حَالهم وتمالأ من بَقِي من الْعشْرَة على تَقْدِيم عبد الْمُؤمن وَتَوَلَّى كبر ذَلِك الشَّيْخ أَبُو حَفْص عمر بن يحيى الهنتاتي جد الْمُلُوك الحفصيين أَصْحَاب تونس فأظهروا للنَّاس موت الْمهْدي وَعَهده لصَاحبه وانقاد بَقِيَّة أَصْحَابه لذَلِك وروى لَهُم يحيى بن يغمور أَنه كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ أثر صلواته اللَّهُمَّ بَارك فِي الصاحب الْأَفْضَل فَرضِي الكافة وانقادوا لَهُ وَأَجْمعُوا على بيعَته