اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على فاس وبيعة أَهلهَا لَهَا
لما فرغ الْأَمِير أَبُو بكر من فتح حصون ملوية صرف عزمه إِلَى فتح فاس وانتزاعها من يَد بني عبد الْمُؤمن وَكَانَ الْعَامِل بهَا يَوْمئِذٍ السَّيِّد أَبَا الْعَبَّاس من بني عبد الْمُؤمن فَأَنَاخَ عَلَيْهَا الْأَمِير أَبُو بكر بخيله وَرجله وتلطف فِي مداخلة أَهلهَا وَضمن لَهُم جميل النّظر وَحميد السِّيرَة وكف الْأَذَى عَنْهُم فَأَجَابُوهُ ووثقوا بعهده وغنائه وأووا إِلَى ظله وركنوا إِلَى طَاعَته وانتحال الدعْوَة الحفصية بأَمْره ونبذوا طَاعَة بني عبد الْمُؤمن بَأْسا من صريخهم فَبَايعُوهُ بالرابطة خَارج بَاب الشَّرِيعَة وَحضر هَذِه الْبيعَة الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الفشتالي ونشده الله على الْوَفَاء بِمَا اشْترط على نَفسه من النّظر لَهُم والذب عَنْهُم وسلوك طَرِيق الْعدْل فيهم فَكَانَ حُضُوره ملاك تِلْكَ الْعقْدَة وَالْبركَة الَّتِي يتعرف أَثَرهَا خَلفهم فِي تِلْكَ الْبيعَة
وَدخل الْأَمِير أَبُو بكر مَدِينَة فاس زَوَال يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بعد موت السعيد صَاحب مراكش بشهرين وَلما دخل الْأَمِير أَبُو بكر قَصَبَة فاس أَمن السَّيِّد أَبَا الْعَبَّاس عَامل الْمُوَحِّدين بهَا وَأخرجه من القصبة بعياله وَأَوْلَاده وَبعث مَعَه سبعين فَارِسًا يبلغونه إِلَى مأمنه فأجازوه وَادي أم الرّبيع وَرَجَعُوا
ثمَّ نَهَضَ الْأَمِير أَبُو بكر إِلَى منازلة تازا وَبهَا يَوْمئِذٍ السَّيِّد أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد أَخُو أبي دبوس فنازلها أَرْبَعَة أشهر حَتَّى نزلُوا على حكمه فَقتل بَعضهم وَمن على آخَرين مِنْهُم وسد ثغورها وأقطع أَخَاهُ يَعْقُوب بن عبد الْحق رِبَاط تازا وحصون ملوية وَرجع إِلَى فاس فَأَقَامَ بهَا نَحْو سنة واستقامت لَهُ الْأُمُور وقدمت عَلَيْهِ الْوُفُود وَأمر الْقَبَائِل بالنزول فِي البسائط وَعمارَة الْقرى والمداشر وَأمنت الطرقات وتحركت التُّجَّار ورخصت الأسعار وَصلح أَمر النَّاس واغتبطوا بولايته