عقد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَدْعُو الْمَأْمُون
قَالَ الفشتالي لما أبل الْمَنْصُور من مَرضه الْمَذْكُور وَعَاد إِلَى حَاله من الصِّحَّة أجمع رَأْي أَعْيَان الدولة واتفقت كلمة كبرائها على أَن يطلبوا مِنْهُ تعْيين من يَلِي الْأَمر بعده وَيكون ولي عَهده وَكَانَ الْمَنْصُور مهيبا لَا يقدر أحد على مواجهته بِمثل هَذَا فاتفقوا على أَن يكون البادئ لذَلِك الْقَائِد الْمُؤمن بن الْغَازِي الْعمريّ لما لَهُ من الإدلال على الْمَنْصُور بطول الْخدمَة وسالف التربية فَقَالَ لَهُ الْقَائِد الْمَذْكُور يَا مَوْلَانَا الله تَعَالَى حفظ الْإِسْلَام بإبلالك من هَذَا الْمَرَض وعصم الدّين بإبقائه عَلَيْك وَقد بَقِي النَّاس فِي أَيَّام سقمك فِي حيرة عَظِيمَة ودخلهم من الدهش مَا لَا يخفى عَلَيْك فَلَو عينت لنا من أبنائك القساورة من تَجْتَمِع كلمة الْإِسْلَام عَلَيْهِ ويشار بالخلافة إِ ليه لَكَانَ أولى وأليق بسياسة الْملك وَإِن ابْنك الأبر أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْمَأْمُون حقيق بذلك وجدير بسلوك تِلْكَ المسالك لما فِيهِ من خلال الْخَيْر وخصال السِّيَادَة زِيَادَة على مَا هُوَ عَلَيْهِ من التيقظ فِي أُمُوره والحزم فِي شؤونه وَقد ظَهرت للنَّاس محَاسِن سيرته واطلعوا على جميل سَرِيرَته فَاسْتحْسن الْمَنْصُور ذَلِك وَأَعْجَبهُ مَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِهِ فَقَالَ لَهُ سَوف أستخير الله فِي ذَلِك فَإِن يكن من عِنْد الله يمضه قلت هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الفشتالي على لِسَان الْقَائِد مُؤمن فِي حق الْمَأْمُون الْمَذْكُور هُوَ بِخِلَاف الْوَاقِع كَمَا ستقف عَلَيْهِ من أَحْوَال الْمَأْمُون بعد هَذَا إِن شَاءَ الله وَلَكِن المؤرخين وَالشعرَاء يمدحون ويقدحون بِحَسب أغراضهم لَا بِحَسب الْوَاقِع غَالِبا لَا سِيمَا إِذا كَانَ من يعنونه بذلك مخدوما لَهُم ومنعما عَلَيْهِم فَلَا يَنْبَغِي لمن وقف على كَلَام هَؤُلَاءِ الصِّنْف مِنْهُم أَن يعْتَمد عَلَيْهِ إِلَّا بعد التثبت والتبصر وَالله تَعَالَى الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب بمنه ثمَّ لبث الْمَنْصُور بعد هَذِه الْإِشَارَة أَيَّام يستخير ربه فِي ذَلِك ويستشير من يعلم أَهْلِيَّته للمشورة من أهل الْعلم وَالصَّلَاح فَلَمَّا انْقَضتْ أَيَّام الاستخارة وتواطأت الآراء على حسن تِلْكَ الْإِشَارَة جمع الْمَنْصُور أَعْيَان حَاضِرَة مراكش وأعيان مَدِينَة فاس