وَخرجت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَدخلت سنة سبع بعْدهَا فَاجْتمع الجيشان بصفين وتراسوا وتداعوا إِلَى الصُّلْح فَلم يقْض الله بذلك وَكَانَت حَرْب يسيرَة بِالنِّسْبَةِ لما بعْدهَا وَلما دخل صفر وَقع بَينهمَا الْقِتَال فَكَانَت وقعات كَثِيرَة بصفين يُقَال إِنَّهَا تسعون وقْعَة وَكَانَت مُدَّة مقامهم على الْحَرْب مائَة يَوْم وَعشرَة أَيَّام وَعدد الْقَتْلَى بصفين من أهل الشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمن أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا مِنْهُم سِتَّة وَعِشْرُونَ من أهل بدر وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ قد تقدم إِلَى أَصْحَابه أَن لَا يقاتلوهم حَتَّى يبدؤوهم بِالْقِتَالِ وَأَن لَا يقتلُوا مُدبرا وَلَا يكشفوا عَورَة وَلَا يأخذو من أَمْوَالهم شَيْئا وَقَاتل عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ مَعَ عَليّ قتالا عَظِيما وَكَانَ عمره قد نَيف على تسعين سنة وَكَانَت الحربة فِي يَده وَيَده ترتعد فَقَالَ هَذِه راية قَاتَلت بهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات وَهَذِه الرَّابِعَة ودعا بقدح من لبن فَشرب مِنْهُ ثمَّ قَالَ صدق الله وَرَسُوله الْيَوْم ألْقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن آخر رِزْقِي من الدُّنْيَا ضيحة لبن وَرُوِيَ أَنه كَانَ يرتجز
(نَحن قتلناكم على تَأْوِيله ... كَمَا قتلناكم على تَنْزِيله)