وَأقَام السُّلْطَان يَعْقُوب على حِصَار سجلماسة حولا كَامِلا وَكَانَ سفهاؤها يصعدون فَوق الأسوار ويعلنون بالسب وَالْفُحْش إِلَى أَن هتك المنجنيق ذَات يَوْم طَائِفَة من سورها فَدخلت من هُنَالك عنْوَة بِالسَّيْفِ وعاث الْجند فِي أَهلهَا فَقتلُوا الْمُقَاتلَة وَسبوا الذُّرِّيَّة وأتى الْقَتْل على عاملها عبد الْملك بن حنينة وَمن كَانَ بهَا من أَشْيَاخ بني عبد الواد وعرب المنبات وَكَانَ فتحهَا آخر صفر وَقيل يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ربيع الأول سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وكمل بِفَتْحِهَا للسُّلْطَان يَعْقُوب فتح بِلَاد الْمغرب وتمشت طَاعَته فِي أقطاره فَلم يبْق فِيهِ أهل حصن يدينون بِغَيْر دَعوته وَلَا جمَاعَة تتحيز إِلَى غير فئته
أَخْبَار السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني فِي الْجِهَاد وَمَا كَانَ لَهُ بالأندلس من الذّكر الْجَمِيل وَالْفَخْر الجزيل رَحمَه الله
قد تقدم لنا مَا كَانَ لِلْعَدو الْكَافِر على الْمُسلمين فِي وقْعَة الْعقَاب من الظُّهُور وَالْغَلَبَة وَأَن تِلْكَ الْوَقْعَة كَانَت سَبَب ضعف الْمُسلمين بالمغرب والأندلس واستيلاء الْعَدو الْكَافِر على جلّ ثغورها وحصونها وَلما ضعف أَمر الْمُوَحِّدين بالمغرب استبد السَّادة مِنْهُم بالأندلس وصاروا إِلَى المنافسة فِيمَا بَينهم واستظهار بَعضهم على بعض بالطاغية وَإِسْلَام حصون الْمُسلمين إِلَيْهِ فِي سَبِيل تِلْكَ الْفِتْنَة فمشت رجالات الأندلس بَعضهم إِلَى بعض وَأَجْمعُوا على إِخْرَاج الْمُوَحِّدين من أَرضهم فثاروا بهم لوقت وَاحِد وأخرجوهم وَتَوَلَّى كبر ذَلِك مُحَمَّد بن يُوسُف بن هود الجذامي ثمَّ من بعده مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر وَنَازع ابْن هود الرياسة بالأندلس وَلَا الشهيرة الَّتِي مِنْهَا قرطبة وإشبيلية قاعدتا أَرض الأندلس كَانَ كل وَاحِد من هذَيْن الثائرين يتَقرَّب إِلَى الطاغية بِمَا غلب عَلَيْهِ من ذَلِك ليعينه على صَاحبه