فَلَمَّا أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان أبي الرّبيع اسْتعْمل خَليفَة هَذَا بداره فِي بعض المهن فباشر الْأُمُور وترقى فِيهَا حَتَّى اتَّصل بالسلطان فَجعل غَايَة قَصده السّعَايَة بِأبي مُحَمَّد بن أبي مَدين وَكَانَ يُؤثر عَن السُّلْطَان أبي الرّبيع أَنه يختلي مَعَ حرم حَاشِيَته وتعرف خَليفَة ذَلِك من مقالات النَّاس فَدس إِلَى السُّلْطَان بِأَن ابْن أبي مَدين يعرض باتهامك فِي ابْنَته وَأَن صَدره قد وغر لذَلِك وَأَنه مترصد بالدولة ومتربص بهَا الدَّوَائِر فتمكنت سعايته من السُّلْطَان وَظن أَنه صَادِق وَكَانَ يخْشَى غائلة ابْن أبي مَدين بِمَا كَانَ لَهُ من الوجاهة فِي الدولة ومداخلة الْقَبِيل فاستعجل السُّلْطَان أَبُو الرّبيع دفع غائلته ودس إِلَى قَائِد جند الفرنج بقتْله فَسَار إِلَيْهِ ولقيه بمقبرة الشَّيْخ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فرصده وَأَتَاهُ من خَلفه فطعنه طعنة كبته على ذقنه واحتز رَأسه وألقاه بَين يَدي السُّلْطَان أبي الرّبيع وَدخل الْوَزير سُلَيْمَان بن يرزيكن فَوجدَ الرَّأْس بَين يَدَيْهِ فَذَهَبت نَفسه عَلَيْهِ وعَلى مَكَانَهُ من الدولة حسرة وأسفا وَأَيْقَظَ السُّلْطَان لمكر الْيَهُودِيّ وأطلعه على خبثه وَأخرج لَهُ بَرَاءَة كَانَ بعث بهَا ابْن أبي مَدين مَعَه إِلَى السُّلْطَان يتنصل فِيهَا وَيحلف على كذب مَا رمي بِهِ عِنْده فَتنبه السُّلْطَان لمكر الْيَهُودِيّ وَعلم أَنه قد خدعه وَنَدم حَيْثُ لم يَنْفَعهُ النَّدَم وفتك لحينه بخليفة بن وقاصة وحاشيته من الْيَهُود المتصدين للْخدمَة وسطا بهم سطوة الهلكة فَأَصْبحُوا مثلا للآخرين
انْتِقَاض أهل سبتة على بني الْأَحْمَر ومراجعتهم طَاعَة بني مرين
كَانَ أهل سبتة قد سئموا ملكة أهل الأندلس وثقلت عَلَيْهِم ولايتهم لَا سِيمَا حِين رَحل عَنْهُم عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء وَعبر الْبَحْر بِقصد الْجِهَاد كَمَا مر واتصل خبر ذَلِك بالسلطان أبي الرّبيع فانتهز الفرصة فيهم وَعقد لِثِقَتِهِ تاشفين بن يَعْقُوب الوطاسي أخي وزيره عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب على عَسْكَر ضخم من بني مرين وَسَائِر طَبَقَات الْجند وَبَعثه إِلَى سبتة فأغذ السّير إِلَيْهَا وَنزل بساحتها وَلما أحس بِهِ أهل الْبَلَد تمشت رجالاتهم فِيمَا بَينهم وتنادوا