كَانَ عبد الْمُؤمن رَحمَه الله وَهُوَ بإفريقية قد أَمر بِبِنَاء جبل الْفَتْح وتحصينه وَهُوَ جبل طَارق فَبنِي وشيد حصنه وَكَانَ ابْتِدَاء الْبناء بِهِ فِي تَاسِع ربيع الأول من سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة الْمَذْكُورَة وكمل بِنَاؤُه فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا بِنَاء عبد الْمُؤمن مَدِينَة الْبَطْحَاء
لما كَانَ عبد الْمُؤمن قَافِلًا من بِلَاد إفريقية بنى مَدِينَة الْبَطْحَاء وَسبب بنائِهِ إِيَّاهَا أَنه لما طَالب بالموحدين الْإِقَامَة بالمشرق والتغرب عَن أوطانهم عزمت طَائِفَة مِنْهُم على قتل عبد الْمُؤمن والفتك بِهِ فِي خبائه إِذا نَام فتأتى شيخ من أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين مِمَّن اطلع على ذَلِك إِلَى عبد الْمُؤمن فَأخْبرهُ الْخَبَر وَقَالَ لَهُ دَعْنِي أَبَت اللَّيْلَة فِي وضعك وأنم على فراشك فَإِن فعلوا مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ كنت قد فديتك بنفسي فِي حق الْمُسلمين وَأجْرِي فِي ذَلِك على الله وَإِن حصلت السَّلامَة فَمن الله تَعَالَى وَيكون أجري على قدر نيتي فَبَاتَ على فرَاشه فاستشهد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا اصبح عبد الْمُؤمن وَصلى الصُّبْح افتقده فَوَجَدَهُ قَتِيلا على فرَاشه فَأَخذه وَحمله بَين يَدَيْهِ على نَاقَة لَا يَقُودهَا أحد فسارت النَّاقة يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى بَركت وَحدهَا فَأمر عبد الْمُؤمن بالشيخ فَأنْزل عَنْهَا وَأخذ بزمام النَّاقة فأزيلت عَن مبركها وحفر قَبره فِيهِ وَدفن وبنيت عَلَيْهِ قبَّة وَبنى بِإِزَاءِ الْقبَّة جَامعا
ثمَّ أَمر بِبِنَاء الْمَدِينَة حول الْمَسْجِد وَترك بهَا عشرَة أهل بَيت من كل قَبيلَة من قبائل الْمغرب فقبر الشَّيْخ هُنَالك مزارة عَن أهل تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى الْيَوْم قَالَه فِي القرطاس