وَالْإِسْلَام وَلما ولاه الله أَمر الْمُسلمين بعد وَفَاة وَالِده زهد فِي التَّارِيخ وَالْأَدب بعد التضلع مِنْهُمَا وَأَقْبل على سرد كتب الحَدِيث والبحث عَن غريبها وجلبها من أماكنها ومجالسة الْعلمَاء والمذاكرة مَعَهم فِيهَا ورتب رَحمَه الله لذَلِك أوقاتا مضبوطة لَا تنخرم حذا بهَا حَذْو الْمَنْصُور السَّعْدِيّ فِي أوقاته المرسومة عِنْد الفشتالي فِي مناهل الصَّفَا حَتَّى أَنه كَانَ إِذا خرج لزيارة أَو صيد أَو نزهة أَيَّام الرّبيع وَأقَام الْأُسْبُوع وَنَحْوه فَإِذا حانت الْجُمُعَة وَدخل تحرى النُّزُول بمنازل الْمَنْصُور الَّتِي كَانَ ينزل بهَا وَقت خُرُوجه لزيارة أغمات وَنَحْوهَا ورجوعه وَيَقُول هَذِه منَازِل الْمَنْصُور رَحمَه الله وَهُوَ أستاذنا فِي مثل هَذِه الْأُمُور وَمن عَجِيب سيرته رَحمَه الله أَنه كَانَ يرى اشْتِغَال طلبة الْعلم بِقِرَاءَة المختصرات فِي فن الْفِقْه وَغَيره وإعراضهم عَن الْأُمَّهَات المبسوطة الْوَاضِحَة تَضْييع للأعمار فِي غير طائل وَكَانَ ينْهَى عَن ذَلِك غَايَة وَلَا يتْرك من يقْرَأ مُخْتَصر خَلِيل ومختصر ابْن عَرَفَة وأمثالهما ويبالغ فِي التشنيع على من اشْتغل بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى كَاد النَّاس يتركون قِرَاءَة مُخْتَصر خَلِيل وَإِنَّمَا كَانَ يحض على كتاب الرسَالَة والتهذيب وأمثالهما حَتَّى وضع فِي ذَلِك كتابا مَبْسُوطا أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الغربي وَأَبُو عبد الله المير وَغَيرهمَا من أهل مَجْلِسه
وَلما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان الْعَادِل الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله صَار يحض النَّاس على التَّمَسُّك بالمختصر ويبذل على حفظه وتعاطيه الْأَمْوَال الطائلة وَالْكل مأجور على نِيَّته وقصده غير أَنا نقُول الرَّأْي مَا رأى السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله وَقد نَص جمَاعَة من أكَابِر الْأَعْلَام النقاد مثل الإِمَام الْحَافِظ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَالشَّيْخ النظار أبي إِسْحَاق الشاطبي والعلامة الواعية أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون وَغَيرهم أَن سَبَب نضوب مَاء الْعلم فِي الْإِسْلَام ونقصان ملكة أَهله فِيهِ إكباب النَّاس على تعَاطِي المختصرات الصعبة الْفَهم وإعراضهم عَن كتب الأقدمين المبسوطة الْمعَانِي الْوَاضِحَة الْأَدِلَّة الَّتِي تحصل لمطالعها الملكة فِي أقرب مُدَّة ولعمري لَا يعلم هَذَا يَقِينا