جنَّة من جنان الدُّنْيَا يزري بشعب بوان وينسى ذكر غمدان إِلَى جنَّة المنارة والعافية وَغير ذَلِك من منتزهات مراكش العجيبة الَّتِي أنشأتها هَذِه الدولة فِي إبان الإقبال والشبيبة
وَلما شرع السُّلْطَان رَحمَه الله فِي غرس هَذَا الْبُسْتَان جلب لَهُ الْعين الْآتِيَة من بِلَاد مسفيوة الْمُسَمَّاة بتاسلطانت وَهِي من أعذب الْعُيُون مَاء وأخفها وأنفعها للبدن وَكَانَت مسفيوة متغلبة على هَذِه الْعين من لدن دولة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله يَعْمِدُونَ إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فيفرقونها سواقي على جناتهم ومزارعهم فَكَانَ ذَلِك دأبهم إِلَى أَن جَاءَ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فأعياه أَمرهم فِيهَا فأقطعهم إِيَّاهَا على ألف مِثْقَال يؤدونه كل سنة فَلَمَّا جَاءَ السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن انتزعها مِنْهُم رغما عَلَيْهِم وَجَاء بهَا تشق الوهاد والربى حَتَّى أَلْقَت جِرَانهَا بأجدال السعيد وَعم نَفعهَا وريها الْقَرِيب مِنْهُ والبعيد وَفِي ذَلِك يَقُول الْوَزير أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس رَحمَه الله
(وَردت وَكَانَ لَهَا السُّعُود مواجها ... وَالْحسن مَقْصُورا على مواجها)
(وبدت طلائع بشرها من قبلهَا ... كَالشَّمْسِ طالعة لَدَى أبراجها)
(وتسير مَا بَين الأباطح والربى ... ترمي فريد الدّرّ من أمواجها)
(وتصوغ من صافي النضار سبائكا ... حلت بهَا الأعطاف من أثباجها)
(هَبَطت إِلَيْك من الْجبَال وطالما ... تعبت مُلُوك الأَرْض فِي إخْرَاجهَا)
(وأتتك راغبة تجر ذيولها ... وَتفِيض غمر النّيل من أفواجها)
(تنساب مثل الأفعوان وتنثني ... كالغصن بَين وهادها وفجاجها)
(خطب الْمُلُوك نِكَاحهَا فتمنعت ... وأتتك واهبة حَلَال زواجها)
(فلتهنك الخود الرفيع فخارها ... وليهنها أَن صرت من أزواجها)
(حراء عباسية بدوية ... نشرت ذوائبها على ديباجها)
(وافتك وافدة وَقد صبغ الحيا ... وجناتها وَجرى على أدراجها)
(فَكَأَنَّهَا بلقيس جَاءَت صرحها ... لكنه صرح بِغَيْر زجاجها)
(عرفت أناملك الشَّرِيفَة أبحرا ... غرقت بحار الأَرْض فِي عجاجها)