كَانَت مَعَ الشماخ قَارُورَة من طيب مَسْمُوم فأخرجها وَقَالَ لإدريس هَذَا طيب كنت استصحبته معي وَهُوَ من جيد الطّيب فَرَأَيْت أَن الإِمَام أولى بِهِ مني وَذَلِكَ من بعض مَا يجب لَهُ عَليّ ثمَّ وضع القارورة بَين يَدَيْهِ فشكره إِدْرِيس وَتَنَاول القارورة فَفَتحهَا واشتم مَا فِيهَا فَصَعدَ السم إِلَى خياشيمه وانْتهى إِلَى دماغه فَغشيَ عَلَيْهِ وَقَامَ الشماخ للحين كَأَنَّهُ يُرِيد حَاجَة الْإِنْسَان فَخرج وأتى منزله فَركب فرسا لَهُ عتيقا كَانَ قد أعده لذَلِك وَذهب لوجهه يُرِيد الْمشرق وافتقد النَّاس الإِمَام إِدْرِيس فَإِذا هُوَ مغشي عَلَيْهِ لَا يتَكَلَّم وَلَا يعلم أحد مَا بِهِ وَقيل إِن الشماخ سمه فِي سنُون والسنون بِوَزْن صبور مَا يستاك بِهِ وَكَانَ إِدْرِيس يشتكي وجع الْأَسْنَان واللثة وَقيل سمه فِي الْحُوت الشابل وَقيل فِي عِنَب أهداه إِلَيْهِ فِي غير إبانة وَالله أعلم
وَلما اتَّصل خبر إِدْرِيس بمولاه رَاشد أقبل مسرعا فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ يُحَرك شَفَتَيْه لَا يبين كلَاما قد أشرف على الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه متحيرا لَا يدْرِي مَا دهاه وَاسْتمرّ إِدْرِيس على حَالَته تِلْكَ إِلَى عشي النَّهَار فَتوفي فِي مهل ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وَمِائَة وتفقد رَاشد الشماخ فَلم يره فَعلم أَنه الَّذِي اغتال إِدْرِيس
ثمَّ جَاءَ الْخَبَر بِأَن الشماخ قد لَقِي على أَمْيَال من الْبَلَد فَركب رَاشد فِي جمع من البربر واتبعوه وتقطعت الْخَيل فِي النواحي وطلبوه ليلتهم إِلَى الصَّباح فَلحقه رَاشد بوادي ملوية عابرا فَشد عَلَيْهِ رَاشد بِالسَّيْفِ وضربه ضربات قطع فِي بَعْضهَا يمناه وَشَجه فِي رَأسه شجاجا وَنَجَا الشماخ بجربعاء الذقن وأعيى فرس رَاشد عَن اللحاق بِهِ فَرجع عَنهُ وَيُقَال أَن الشماخ رئي بعد ذَلِك بِبَغْدَاد وَهُوَ مَقْطُوع الْيَد
وَلما رَجَعَ رَاشد إِلَى منزله أَخذ فِي تجهيز الإِمَام رَضِي الله عَنهُ وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه بِصَحْنِ رابطة عِنْد بَاب وليلى ليتبرك النَّاس بتربته رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute