غَزَوَاته مَعَ الْخَوَارِج الصفرية من البربر فلقيناهم وهم ثَلَاثَة أضعافنا فَلَمَّا تقَارب الْجَمْعَانِ نزل إِدْرِيس فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ودعا الله تَعَالَى ثمَّ ركب فرسه وَتقدم لِلْقِتَالِ قَالَ فقاتلناهم قتالا شَدِيد فَكَانَ إِدْرِيس يضْرب فِي هَذَا الْجَانِب مرّة ويكر فِي هَذَا الْجَانِب الآخر مرّة وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى ارْتَفع النَّهَار ثمَّ رَجَعَ إِلَى رايته فَوقف بإزائها وَالنَّاس يُقَاتلُون بَين يَدَيْهِ فطفقت أتأمله وأديم النّظر إِلَيْهِ وَهُوَ تَحت ظلال البنود يحرض النَّاس ويشجعهم فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْت من ثباته وَقُوَّة جأشه فَالْتَفت نحوي وَقَالَ يَا دَاوُد مَا لي أَرَاك تديم النّظر إِلَيّ قلت أَيهَا الإِمَام إِنَّه قد أعجبني مِنْك خِصَال لم أرها الْيَوْم فِي غَيْرك قَالَ وَمَا هِيَ قلت أولاها مَا أرَاهُ من ثبات قَلْبك وطلاقة وَجهك عِنْد لِقَاء الْعَدو قَالَ ذَاك ببركة جدنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعائه لنا وَصلَاته علينا ووراثة من أَبينَا عَليّ بن أبي طَالب قلت وأراك تبصق بصاقا مجتمعا وَأَنا أطلب قَلِيل الرِّيق فِي فمي فَلَا أجد قَالَ يَا دَاوُد ذَاك لقُوَّة جأشي واجتماع لبي عِنْد الْحَرْب وَعدم ريقك لطيش عقلك وافتراق لبك قلت وَأَنا أَيْضا أتعجب من كَثْرَة تقلبك فِي سرجك وَقلة قرارك عَلَيْهِ قَالَ ذَاك مني زمع إِلَى الْقِتَال وصرامة فِيهِ فَلَا تظنه رعْبًا وَأَنْشَأَ يَقُول
(أَلَيْسَ أَبونَا هَاشم شدّ أزره ... وَأوصى بنيه بالطعان وبالضرب)
(فلسنا نمل الْحَرْب حَتَّى تملنا ... وَلَا نشتكي مِمَّا يؤول من النصب)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute