وشجاعته ونجدته وعدله وورعه وسداد رَأْيه ويمن نقيبته فَعَاد يُوسُف من سجلماسة بِنصْف جَيش المرابطين بعد ارتحال أبي بكر بن عمر بِالنِّصْفِ الآخر وَذَلِكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَلما انْتهى يُوسُف بن تاشفين إِلَى ملوية ميز جيوشه فَوَجَدَهَا أَرْبَعِينَ ألفا من المرابطين فَاخْتَارَ مِنْهُم أَرْبَعَة من القواد وهم سير بن أبي بكر اللمتوني وَمُحَمّد بن تَمِيم الكدالي وَعمر بن سُلَيْمَان المسوفي ومدرك التلكاني وَعقد لكل قَائِد مِنْهُم على خَمْسَة آلَاف من قبيلته وجعلهم مُقَدّمَة بَين يَدَيْهِ لقِتَال من بالمغرب من مغراوة وَبني يفرن وَسَائِر قبائل البربر القائمين بِهِ ثمَّ سَار هُوَ فِي أَثَرهم يتقرى الْمغرب بَلَدا بَلَدا ويتتبع أَهله قَبيلَة قَبيلَة فقوم يقاتلونه ثمَّ يظفر بهم وَقوم يفرون بَين يَدَيْهِ وَقوم يلقون إِلَيْهِ السّلم ويبذلون الطَّاعَة حَتَّى دوخ بِلَاد الْمغرب ثمَّ سَار حَتَّى دخل مَدِينَة أغمات وَلما اسْتَقر بهَا تزوج زَيْنَب بنت إِسْحَاق النفزاوية الَّتِي كَانَت تَحت أبي بكر بن عمر فَكَانَت عنوان سعده والقائمة بِملكه والمدبرة لأَمره والفاتحة عَلَيْهِ بِحسن سياستها لأكْثر بِلَاد الْمغرب وَمن ذَلِك إشارتها عَلَيْهِ فِي أَمر أبي بكر بن عمر وَكَيْفِيَّة ملاقاته حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَهَكَذَا كَانَ أمرهَا فِي كل مَا تحاوله رَحمهَا الله
وَمِمَّا يستطاب من حَدِيثهَا مَا حَكَاهُ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله وَقد تكلم على يُوسُف بن تاشفين هَذَا فَقَالَ كَانَ حسن السِّيرَة خيرا عادلا يمِيل إِلَى أهل الْعلم وَالدّين يكرمهم ويحكمهم فِي بِلَاده ويصدر عَن رَأْيهمْ وَكَانَ يحب الْعَفو والصفح عَن الذُّنُوب الْعِظَام من ذَلِك أَن ثَلَاثَة نَفرا اجْتَمعُوا فتمنى أحدهم ألف دِينَار يتجر بهَا وَتمنى الآخر عملا يعْمل فِيهِ لأمير الْمُسلمين وَتمنى الآخر زَوجته وَكَانَت من أحسن النِّسَاء وَلها الحكم فِي بِلَاده فَبَلغهُ الْخَبَر فأحضرهم وَأعْطى متمني المَال ألف دِينَار وَاسْتعْمل الآخر وَقَالَ للَّذي تمنى زَوجته يَا جَاهِل مَا حملك على هَذَا الَّذِي لَا