فَأَقَامَ بهَا بَقِيَّة شعْبَان ومعظم رَمَضَان وَحمل فِي صحبته الْمُصحف العثماني فِي التابوت الْمَذْكُور وَمَعَهُ مصحف الْمهْدي وَختم الْقُرْآن الْعَزِيز فِي مَسْجِد الْمهْدي وَعند ضريحه ختمات كَثِيرَة وَعَاد إِلَى مراكش
وَلم يزل الموحدون يعتنون بِهَذَا الْمُصحف الْكَرِيم ويحملونه فِي أسفارهم متبركين بِهِ كتابوت بني إِسْرَائِيل إِلَى أَن حمله مِنْهُم السعيد وَهُوَ عَليّ بن إِدْرِيس بن يَعْقُوب الْمَنْصُور الملقب بالمعتضد بِاللَّه حِين توجه إِلَى تلمسان آخر سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَقتل السعيد قَرِيبا من تلمسان وَوَقع النهب فِي الخزائن واستولت الْعَرَب وَغَيرهم على مُعظم الْعَسْكَر وَنهب الْمُصحف فِي جملَة مَا نهب مِنْهُ وعثر عَلَيْهِ مُلُوك بني عبد الواد أَصْحَاب تلمسان فَلم يزل فِي خزانتهم بهَا إِلَى أَن افتتحها السُّلْطَان الْأَعْظَم أَبُو الْحسن المريني أَوَاخِر شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَحصل عِنْده فَكَانَ يتبرك بِهِ ويحمله فِي أَسْفَاره على الْعَادة إِلَى أَن أُصِيب فِي وقْعَة طريف وَحصل فِي بِلَاد البرتغال وأعمل أَبُو الْحسن الْحِيلَة فِي استخلاصه حَتَّى وصل إِلَى فاس سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة على يَد بعض تجار آزمور وَاسْتمرّ فِي خزانته إِلَى أَن سَافر أَبُو الْحسن سفرته الْمَعْلُومَة إِلَى إفريقية فاستولى عَلَيْهَا
وَلما كَانَت سنة خمسين وَسَبْعمائة ركب أَبُو الْحسن الْبَحْر من تونس قَافِلًا إِلَى الْمغرب وَذَلِكَ فِي إبان هيجان الْبَحْر فغرقت مراكبه وَهَلَكت نفوس تجل عَن الْحصْر وضاعت نفائس يعز وجود مثلهَا وَمن جُمْلَتهَا الْمُصحف العثماني فَكَانَ ذَلِك آخر الْعَهْد بِهِ
وَمِمَّا يُنَاسب ذكره هُنَا الْمُصحف العقباني وَهُوَ مصحف عقبَة بن نَافِع الفِهري فاتح الْمغرب وَكَانَ متداولا عِنْد ملوكه ومتبركا بِهِ وَثَانِي المصحفين فِي الْمنزلَة عِنْد أهل الْمغرب
قَالَ أَبُو عبد الله اليفرني فِي كتاب النزهة إِن السُّلْطَان أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد الْمَنْصُور بِاللَّه الْمَعْرُوف بالذهبي لما جدد ولَايَة الْعَهْد لوَلَده الْمَأْمُون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute