ذَلِك وتسلم الْبَلَد وَبعث إِلَيْهِم من يمْنَع العساكر من الدُّخُول عَلَيْهِم وَبعث أمناءه ليقاسموا النَّاس على أَمْوَالهم وأملاكهم وَأقَام أهل تونس بهَا على أُجْرَة تُؤْخَذ عَن نصف مساكنهم وَعرض عبد الْمُؤمن الْإِسْلَام على من بهَا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمن أسلم سلم وَمن أَبى قتل
وَأقَام عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ سَار إِلَى المهدية وأسطوله يحاذيه فِي الْبَحْر فوصل إِلَيْهَا ثامن عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ بالمهدية يَوْمئِذٍ خَواص الفرنج من أَوْلَاد مُلُوكهَا وأبطال فرسانها وَقد أخلوا مَدِينَة زويلة الْمُجَاورَة للمهدية فَدَخلَهَا عبد الْمُؤمن وامتلأت بالعساكر والسوقة فَصَارَت مَدِينَة معمورة فِي سَاعَة وَاحِدَة وَمن لم يكن لَهُ مَوضِع من الْعَسْكَر نزل بظاهرها وانضاف إِلَيْهِ من صنهاجة وَالْعرب وَأهل إفريقية مَا يخرج عَن الإحصاء وَأَقْبلُوا يُقَاتلُون المهدية مُدَّة أَيَّام فَلَا يُؤثر فِيهَا لحصانتها وَقُوَّة سورها وضيق محَال الْقِتَال عَلَيْهَا لِأَن الْبَحْر دائر بأكثرها فَكَأَنَّهَا كف فِي الْبَحْر وزندها مُتَّصِل بِالْبرِّ وَكَانَت الفرنج تخرج شجعانها إِلَى أَطْرَاف الْعَسْكَر فتنال مِنْهُ ويعودون سَرِيعا فَأمر عبد الْمُؤمن بِبِنَاء سور غربي الْمَدِينَة يمنعهُم من الْخُرُوج وأحاط الأسطول بهَا فِي الْبَحْر وَركب عبد الْمُؤمن شينيا وَمَعَهُ الْحسن بن عَليّ الَّذِي كَانَ صَاحبهَا وَتَطوف بهَا فِي الْبَحْر فهاله مَا رأى من حصانتها وَعلم أَنَّهَا لَا تفتح بِقِتَال برا وَلَا بحرا وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا المطاولة وَقَالَ لِلْحسنِ كَيفَ نزلت عَن مثل هَذَا الْحصن فَقَالَ لقلَّة من يوثق بِهِ وَعدم الْقُوت وَحكم الْقدر فَقَالَ صدقت
وَعَاد عبد الْمُؤمن من الْبَحْر وَأمر بِجمع الغلات والأقوات وَترك الْقِتَال فَلم يمض غير قَلِيل حَتَّى صَار فِي المعسكر مثل الجبلين من الْحِنْطَة وَالشعِير فَكَانَ من يصل إِلَى المعسكر من بعيد يَقُول مَتى حدثت هَذِه الْجبَال فَيُقَال هِيَ حِنْطَة وشعيرا فيتعجب من ذَلِك وَتَمَادَى الْحصار
وَفِي مُدَّة هَذَا الْحصار استولى عبد الْمُؤمن على طرابلس وصفاقص وَسْوَسَة وجبل نفوسة وقصور إفريقية وَمَا والاها وَفتح مَدِينَة قابس بِالسَّيْفِ وسير ابْنه السَّيِّد أَبَا مُحَمَّد من مَكَان حصاره للمهدية فِي جَيش فَفتح بلادا أُخْرَى