للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِك مِمَّا قِيمَته ثَلَاثمِائَة ألف دِرْهَم اه كَلَام المَسْعُودِيّ فاستحالت الْأَحْوَال فِي زمَان عُثْمَان كَمَا ترى وَلما رأى ذَلِك بعض النَّاس مِمَّن لم يكن لَهُ رسوخ فِي الْفِقْه وَالدّين وَلَا هُوَ من أهل السَّابِقَة من فضلاء الصَّحَابَة وَالْمُسْلِمين صَارُوا ينقمون على عُثْمَان بِأَنَّهُ أهمل أَمر الرّعية وَخَالف سيرة العمرين مَعَ مَا أنضاف إِلَى ذَلِك من تَوْلِيَة أَقَاربه وحاشاه من ذَلِك رَضِي الله عَنهُ فَإِن الرجل كَانَ مُجْتَهدا وَهُوَ أهل للِاجْتِهَاد وَمَا تخيلوه من إهماله أَمر الرّعية حَتَّى اسْتَحَالَ أمرهَا إِلَى مَا ذكر تخيل بَاطِل إِذْ لَيْسَ فِي طوقه وَلَا بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا طبيعة الْعمرَان البشري تَقْتَضِي ذَلِك بِسَبَب مَا فتح على الْمُسلمين من الأقاليم والممالك والأقطار والنواحي والأمصار وترادف الجبايات الفائقة الْحصْر وانثيال كنوز كسْرَى وَقَيْصَر وَغَيرهم من مُلُوك الأَرْض عَلَيْهِم فَأنى يبْقى الْأَمر على حَاله مَعَ هَذَا الْفَتْح العجيب والنصر الْغَرِيب وَقد قيل دوَام الْحَال من الْمحَال وَالنَّاس لَيْسُوا على قدم وَاحِد فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا فَالْحق الَّذِي لَا عوج فِيهِ وَلَا أمت أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ كَانَ على الْحق حَتَّى لَقِي ربه وَمَا يعتدون بِهِ عَلَيْهِ من مُخَالفَة الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا إِن صَحَّ فمحله الِاجْتِهَاد كَمَا قُلْنَا وَمَعْلُوم أَن أَحْكَام الشَّرْع تَدور مَعَ الْمصَالح والمفاسد وتختلف باخْتلَاف الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال كَمَا لَا يخفى على من لَهُ أدنى مَسِيس بالفقه

قَالَ ابْن خلدون اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِنَّمَا يَقع فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة وينشأ عَن الِاجْتِهَاد فِي الْأَدِلَّة الصَّحِيحَة والمدارك الْمُعْتَبرَة والمجتهدون إِذا اخْتلفُوا فَإِن قُلْنَا إِن الْحق فِي الْمسَائِل الاجتهادية فِي وَاحِد من الطَّرفَيْنِ وَمن لم يصادفه فَهُوَ مُخطئ فَإِن جِهَته لَا تتَعَيَّن بِإِجْمَاع فَيبقى الْكل على احْتِمَال الْإِصَابَة والتأثيم مَدْفُوع عَن الْكل إِجْمَاعًا وَإِن قُلْنَا إِن الْكل حق وَإِن كل مُجْتَهد مُصِيب فأحرى بِنَفْي الْخَطَأ والتأثيم ثمَّ اسْتمرّ أُولَئِكَ الناقمون على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وتمادوا فِي طعنهم وتشغيبهم حَتَّى تفاقم الْأَمر وشرى الدَّاء وأعوز الدَّوَاء وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل

<<  <  ج: ص:  >  >>