وَبعث أهل فاس إِلَى المرتضى بالصريخ فَلم يرجع إِلَيْهِم قولا وَلَا ملك لَهُ ضرا وَلَا نفعا وَلَا وجد لكشف مَا نزل بهم حِيلَة وَلَا وَجها سوى أَنه استجاش على الْأَمِير أبي بكر بيغمراسن بن زيان صَاحب تلمسان وأمله لكشف هَذِه النَّازِلَة عَمَّن انحاش إِلَى طَاعَته فَأَجَابَهُ يغمراسن إِلَى ذَلِك وطمع أَن يكون ذَلِك سَببا لَهُ فِي تملك الْمغرب وسلما للصعود إِلَى ذرْوَة ملكه فاحتشد لحركته ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الْأَمِير أبي بكر عَن فاس وَأَهْلهَا
واتصل بالأمير أبي بكر خبر نهوضه إِلَيْهِ لتسعة أشهر من منازلته فاسا فجمر الْكَتَائِب عَلَيْهَا وصمد إِلَيْهِ قبل فصوله عَن تخوم بِلَاده فَلَقِيَهُ بوادي أيسلي من بسيط وَجدّة فتزاحف الْقَوْم وَكَانَت ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا عبد الْحق بن مُحَمَّد بن عبد الْحق بيد إِبْرَاهِيم بن هِشَام من بني عبد الواد
ثمَّ انكشفت بَنو عبد الواد وَنَجَا يغمراسن بن زيان إِلَى تلمسان بِرَأْس طمرة ولجام وَترك محلته بِمَا فِيهَا فاحتوى عَلَيْهَا الْأَمِير أَبُو بكر وانكفأ رَاجعا إِلَى فاس للأخذ بمخنقها فوصل إِلَيْهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وأناخ عَلَيْهَا بكلكله واستأنف الْجد وأرهف الْحَد وشدد فِي الْحصار وأيس أهل فاس من إغاثة المرتضى وَسقط فِي أَيْديهم وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا وَلم يَجدوا وليجة من دون مُرَاجعَة طَاعَة بني مرين فسألوا الْأَمِير أَبَا بكر الْأمان فبذله لَهُم على غرم مَا أتلفوا لَهُ بِالْقصرِ من المَال يَوْم الثورة وَقدره مائَة ألف دِينَار فتحملوها وأمكنوه من قياد الْبَلَد فَدَخلَهَا فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور فَأَقَامَ بهَا إِلَى رَجَب الموَالِي لَهُ وطالبهم بِالْمَالِ فسوفوه وتلووا فِي الْمقَال
فَلَمَّا رأى ذَلِك مِنْهُم قبض على جمَاعَة من أشياخها وأمنائها وأثقلهم بالحديد وطالبهم بِالْمَالِ والأثاث الَّذِي انتهبوه من الْقصر فَقَالَ لَهُ شيخ يعرف بِابْن الخبا إِنَّمَا فعل الذَّنب منا سِتَّة فَكيف تُهْلِكنَا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا وَلَو فعل الْأَمِير مَا أُشير بِهِ عَلَيْهِ لَكَانَ صَوَابا من الرَّأْي فَقَالَ وَمَا ذَلِك قَالَ تعمد إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفر السِّتَّة وَالَّذين سعوا فِي الْفِتْنَة فتأخذ رؤوسهم وتشرد بهم من خَلفهم ثمَّ تأخذنا نَحن بغرم المَال فَقَالَ لعمري لقد أصبت