وَلما رأى أهل الأندلس ذَلِك بعثوا صريخهم إِلَى السُّلْطَان أبي سعيد فَقدم عَلَيْهِ وفدهم بِحَضْرَتِهِ من فاس وَفِيهِمْ من وُجُوه الأندلس وصلحائها الشَّيْخ أَبُو عبد الله الطنجالي وَالشَّيْخ ابْن الزيات البلشي وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق بن أبي الْعَاصِ وَغَيرهم فَاعْتَذر إِلَيْهِم السُّلْطَان أَبُو سعيد بمَكَان عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء من دولتهم وَمحله من دَار ملكهم وَكَانَ عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء يتَوَلَّى يَوْمئِذٍ مشيخة الْغُزَاة بالأندلس لِأَن وَفَاته تَأَخَّرت إِلَى سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حَسْبَمَا مر فَشرط عَلَيْهِم السُّلْطَان أَبُو سعيد أَن يمكنوه مِنْهُ ليتأتى لَهُ العبور إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد وَجِهَاد الْعَدو بهَا من غير تشويش وَقَالَ ادفعوه إِلَيْنَا برمتِهِ حَتَّى يتم أَمر الْجِهَاد ثمَّ نرده عَلَيْكُم حياطة على الْمُسلمين وخشية من تَفْرِيق كلمتهم فاستصعب أهل الأندلس هَذَا الشَّرْط لما يعلمونه من صرامة عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء وإدلاله ببأسه وبأس عشيرته فأخفق سَعْيهمْ وَرَجَعُوا منكسرين وأطالت الفرنج الْمقَام على غرناطة وطمعوا فِي التهامها
ثمَّ إِن الله تَعَالَى نفس عَن مخنقهم ودافع بقدرته عَنْهُم وهيأ لعُثْمَان بن أبي الْعَلَاء فِي الفرنج وَاقعَة كَانَت من أغرب الوقائع وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ يَوْم المهرجان وَهُوَ الْخَامِس من جُمَادَى الأولى من سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة عمد عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء إِلَى جمَاعَة جنده وَاخْتَارَ من أنجاد بني مرين مِنْهُم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَقيل أَكثر وَتقدم بهم نَحْو جَيش الفرنج فَظن النَّصَارَى أَنهم إِنَّمَا خَرجُوا لأمر غير الْقِتَال من مُفَاوَضَة أَو إبلاغ رِسَالَة أَو نَحْو ذَلِك حَتَّى إِذا سامتوا موقف الطاغية ورديفه جوان صمموا نَحْوهمَا حَتَّى خالطوهما فِي مراكزهما فصرعوهما فِي جملَة من الْحَاشِيَة وَانْهَزَمَ ذَلِك الْجمع من حِينه وولوا الأدبار واعترضهم من ورائهم مسارب المَاء للشُّرْب على نهر شنيل فتطارحوا فِيهَا وَهلك أَكْثَرهم واكتسحت أَمْوَالهم وتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ثَلَاثَة أَيَّام وَخرج أهل غرناطة لجمع الْأَمْوَال وَأخذ الأسرى فاستولوا على أَمْوَال عَظِيمَة مِنْهَا من الذَّهَب فِيمَا قيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ قِنْطَارًا وَمن الْفضة مائَة وَأَرْبَعُونَ قِنْطَارًا وَمن السَّبي سَبْعَة آلَاف نفس حَسْبَمَا كتب بذلك بعض الغرناطيين إِلَى الديار المصرية وَكَانَ من جملَة الْأُسَارَى امْرَأَة الطاغية وَأَوْلَاده