سعيد نازعين إِلَيْهِ ومفارقين لِابْنِهِ الثائر عَلَيْهِ واستمروا فِي جملَته إِلَى أَن مرض الْأَمِير أَبُو عَليّ وزحف أَبوهُ إِلَيْهِ وحاصره بفاس حَسْبَمَا مر فَحِينَئِذٍ عقد السُّلْطَان أَبُو سعيد لأبي زَكَرِيَّاء على سبتة ثَانِيًا وَبَعثه إِلَيْهَا ليقيم دَعوته فِي تِلْكَ الْجِهَات وَترك ابْنه مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّاء تَحت يَده رهنا على الطَّاعَة فاستقل أَبُو زَكَرِيَّاء بإمارتها وَأقَام دَعْوَة السُّلْطَان أبي سعيد بهَا واتصل ذَلِك مِنْهُ نَحْو سنتَيْن ثمَّ هلك عَمه أَبُو حَاتِم بسبتة سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة وانتقض أَبُو زَكَرِيَّاء بن أبي طَالب على السُّلْطَان أبي سعيد وَرجع إِلَى حَال سلفه من الاستبداد وَإِقَامَة الشورى بِالْبَلَدِ واستقدم من الأندلس عبد الْحق بن عُثْمَان الَّذِي كَانَ خرج على السُّلْطَان أبي الرّبيع مَعَ الْوَزير عبد الرَّحْمَن الوطاسي فَقدم عَلَيْهِ وَعقد لَهُ على الْحَرْب ليفرق بِهِ كلمة بني مرين بالمغرب ويوهن بأسهم فتخف عَلَيْهِ وطأتهم
واتصل ذَلِك كُله بالسلطان أبي سعيد فَقَامَ وَقعد وجهز إِلَى سبتة العساكر من بني مرين وَعقد على حربها للوزير إِبْرَاهِيم بن عِيسَى اليريناني فزحف إِلَيْهَا وحاصرها فَاعْتَذر إِلَيْهِ أَبُو زَكَرِيَّاء بِحَبْس ابْنه عَنهُ ومفارقته لَهُ وَأَنه إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنه بذل الطَّاعَة وراجع الدعْوَة فَأعْلم الْوَزير السُّلْطَان بذلك فَبعث إِلَيْهِ بِالْوَلَدِ ليسلمه إِلَى أَبِيه بعد أَن يَقْتَضِي مِنْهُ مُوجبَات الطَّاعَة وأسبابها وَجَاء الْخَبَر إِلَى أبي زَكَرِيَّاء بِأَن ابْنه قد قدم وَأَنه كَائِن بفسطاط الْوَزير بساحل الْبَحْر بِحَيْثُ تتأتى الفرصة فِي أَخذه فَبعث أَبُو زَكَرِيَّاء إِلَى عبد الْحق بن عُثْمَان قَائِد الْحَرْب وأعلمه بمَكَان ابْنه فواطأه عبد الْحق على انْتِزَاعه مِنْهُم ثمَّ هجم لَيْلًا فِي جمَاعَة من حَاشِيَته على فسطاط الْوَزير فَاحْتمل الْوَلَد وَأصْبح بِهِ عِنْد أَبِيه وَسمع أهل عَسْكَر الْوَزير بالهيعة فَرَكبُوا وتبعوا الْأَثر فَلم يقفوا على خبر وتفقد الْوَزير الْوَلَد الَّذِي كَانَ عِنْده فَلم يجده واتهم الْجَيْش الْوَزير بِأَنَّهُ مالأ شيعَة أَبِيه على أَخذه وَإِلَّا فَلَا يقدم أحد هَذَا الْإِقْدَام بِدُونِ مداخلة من بعض الْجَيْش فتقبضوا على الْوَزير وَحَمَلُوهُ الى السُّلْطَان إبلاء فِي الطَّاعَة وابلاغا فِي الْعذر فَشكر لَهُم ذَلِك واطلق الْوَزير لعلمه ببراءته ونصحه