يناظر الْعلمَاء الجلة عَارِفًا بالْمَنْطق وأصول الدّين وَله حَظّ صَالح من علمي الْعَرَبيَّة والحساب وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ عَارِفًا بناسخه ومنسوخه حَافِظًا للْحَدِيث عَارِفًا بِرِجَالِهِ فصيح الْقَلَم كَاتبا بليغا حسن التوقيع شَاعِرًا أنْشد لَهُ صَاحب الجذوة اشعارا حَسَنَة من ذَلِك فِي الْحِكْمَة قَوْله
(وَإِذا تصدر للرياسة خامل ... جرت الْأُمُور على الطَّرِيق الأعوج)
وَقَالَ ابْن الْأَحْمَر كنت يَوْمًا جَالِسا مَعَه بمقعد ملكه من الْمَدِينَة الْبَيْضَاء بفاس فَدخل عَلَيْهِ رجل يتصلح فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ بديهة
تراهم فِي ظواهرهم كراما ... ويخفون المكيدة والخداعا)
وللسلطان أبي عنان رَحمَه الله آثَار دينية من بِنَاء الْمدَارِس والزوايا وَغير ذَلِك ومدرسته العنانية بفاس مَشْهُورَة إِلَى الْآن وَمن مدارسه الْمدرسَة العجيبة بحومة بَاب حُسَيْن من سلا وَقد صَارَت الْيَوْم فندقا يعرف بفندق أسكور وَمِمَّا قَالَه أَبُو بكر بن جزي فِي بعض مَا أنشأه السُّلْطَان الْمَذْكُور من الزوايا قَوْله
(هَذَا مَحل الْفضل والإيثار ... والرفق بالسكان وَالزُّوَّارِ)
(دَار على الْإِحْسَان شيدت والتقى ... فجزاؤها الْحسنى وعقبى الدَّار)
(هِيَ ملْجأ للواردين ومورد ... لِابْنِ السَّبِيل وكل ركب ساري)
(آثَار مَوْلَانَا الْخَلِيفَة فَارس ... أكْرم بهَا فِي الْمجد من آثَار)
(لَا زَالَ مَنْصُور اللِّوَاء مظفرا ... ماضي العزائم سامي الْمِقْدَار)
(بنيت على يَد عبدهم وخديم ... بابهم الْعلي مُحَمَّد بن حدار)
(فِي عَام أَرْبَعَة وَخمسين انْقَضتْ ... من بعد سبعمئين فِي الْأَعْصَار)
وَقَالَ صَاحب الجذوة حَدثنِي شَيخنَا أَبُو رَاشد اليدري أَن السُّلْطَان أَبَا عنان هُوَ الَّذِي أحدث بفاس الْعلم الْأَزْرَق فِي الصومعة يَوْم الْجُمُعَة
وَقَالَ فِي مَوْضُوع آخر مِنْهَا حُكيَ أَن السُّلْطَان ابا عنان المريني صعد الصومعة يَعْنِي بالقرويين ليعتبر الْمَدِينَة وترتيبها ووقف على المنجانة وَمَا اتَّصل بهَا فَاسْتحْسن ذَلِك وأنعم على النَّاظر فِيهَا بمرتب وسع عَلَيْهِ فِيهِ