وَلما اتَّصل خبر هَذَا الظُّهُور لَهُ بالسلطان الوطاسي لم يُعجبهُ ذَلِك وَظهر لَهُ أَن مَا كَانَ أَحْمد وَأَخُوهُ يحاولانه من أَمر الْجِهَاد لم يكن ظَاهره كباطنه وحقق لَهُ ذَلِك مَا فَعَلُوهُ من تحصين تارودانت مَعَ مَا كَانَ لأبيهم من نُفُوذ الْكَلِمَة بالسوس
وَكَانَ فِي هَذَا التَّارِيخ بمراكش وأعمالها عَامل اسْمه نَاصِر بوشتنوف وَكَانَ مستبدا على الوطاسي ويبذل لَهُ شَيْئا تافها يتقيه بِهِ وَلما مر بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَاف فِي أول أَمرهم داعين إِلَى الْجِهَاد أحسن إِلَيْهِم غَايَة وَلما أوقعوا وقْعَة آسفي أبرموا أَمرهم مَعَ نَاصِر أبي شتنوف وأظهروا لَهُ الْمحبَّة والموالاة وطلبوا مِنْهُ أَن يظاهرهم على جِهَاد الْعَدو وَأَن يَكُونُوا يدا وَاحِدَة وجندا وَاحِدًا عَلَيْهِ فأسعفهم وَقدمُوا مراكش فَدَخَلُوهَا مرّة ثَانِيَة وَأحسن إِلَيْهِم وَبعد أَيَّام خَرجُوا بِهِ للصَّيْد فَسَموهُ فِي خبز صَغِير يُسمى القريشلات فَهَلَك للحين وَصفا للأشراف مراكش وأعمالها إِذا كَانَ أَهلهَا قد أحبوهم وشرهوا إِلَيْهِم وَلما تمّ لَهُم أَمر درعة والسوس ومراكش تسمى أَحْمد باسم الْأَمِير واستخلف أَخَاهُ مُحَمَّدًا الشَّيْخ
وَلما اتَّصل الْخَبَر بالوطاسي وَأَنَّهُمْ استولوا على مراكش أقلقه ذَلِك وَمن مكر أَحْمد أَنه بعث إِلَيْهِ يَقُول مَا أَنا إِلَّا وَاحِد من أعمالك وَمَا كَانَ يُعْطِيهِ أهل هَذِه الْبِلَاد أبذله لَك مضاعفا وَمَعَ ذَلِك لم يطمئن إِلَيْهِ ثمَّ هلك الوطاسي وَولي مَكَانَهُ ابْنه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد وانقسمت مملكة الْمغرب فَصَارَت فاس للوطاسي ومراكش وأعمالها لأبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج وتارودانت والسوس ودرعة لمُحَمد الشَّيْخ وَأما عبد الْكَبِير فَإِنَّهُ كَانَ اسْتشْهد قبل هَذَا فِي حَرْب البرتغال قرب آسفي
وَلما رأى أَبُو الْعَبَّاس الوطاسي استفحال أَمر الْأَشْرَاف وَأَنَّهُمْ أَمْسكُوا عَنهُ مَا وعدوا بِأَدَائِهِ لِأَبِيهِ عزم على حربهم فَجمع عسكرا عَظِيما وزحف إِلَى مراكش فتحصن أَحْمد الْأَعْرَج بهَا وَقدم عَلَيْهِ أَخُوهُ فَظَاهره على عدوه وَفِي أثْنَاء حصاره الوطاسي لمراكش اتَّصل بِهِ الْخَبَر بِأَن أهل فاس قد قَامُوا عَلَيْهِ وَبَايَعُوا بعض إخْوَته فَرجع إِلَى فاس وَقبض على أَخِيه الثائر عَلَيْهِ ثمَّ كرّ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute